الأرقام المأهولة التي تُشير إلى ضعف الوازع "الأخلاقي" عند البعض من أبناء هذا الوطن العزيز أدت وستؤدي في حال التمادي بها إلى كثير من الأضرار الاقتصادية الوطنية، وعندما تكتشف وزارة الشؤون الاجتماعية على سبيل المثال أعداداً ضخمة ممن يستلمون مخصصات الضمان الاجتماعي لما يصل إلى مئات الآلاف من البشر دون وجه حق، يتعدى أثرهم وأثر من تساهل أو أهمل في أداء عمله من موظفي قطاع الضمان الاجتماعي بالوزارة إلى كثير من "الضيم" للمواطن والظلم للوطن، ذلك أنّ الحصول على مبالغ مالية من الوطن دون وجه حق يحرم المحتاج الحقيقي في الوطن من الحصول على تلك الأموال التي خصصت في واقع الأمر من أجله، وهنا يتبادر إلى الذهن كثير من التساؤلات حول جهودنا في معالجة الفقر والتعاطي مع المحتاج في هذا الوطن، فعندما توقف وزارة الاجتماعية "كما ذكرته هذه الصحيفة يوم أمس" ما يزيد عن مئة وسبعين ألف مستفيد من الضمان الاجتماعي نظراً لأنهم "باختصار" غير مستحقين له، بل إنّ كثيرا منهم يملك محالَّ تجارية ومنشآت للقطاع الخاص ربما تزيد إيراداتها عن تلك المخصصات التي "نهبت" في غير وجه حق.. ولم يتوقف الأمر عند مسألة الضمان الاجتماعي، بل تعداه إلى كثير من الجوانب الاقتصادية التي سلبت من المواطن من خلال المواطن غير الصالح، الأمر الذي أدى إلى إحداث خلل في الميزان التنموي الوطني، فعلى سبيل المثال تُقدر قضايا التستر التجاري بمئات الملايين من الريالات وربما تصل إلى المليارات أيضاً تشهد بذلك أرقام تحويلات العمالة الوافدة التي تعلنها الجهات المختصة.. ونحن عندما نتعرض لهذه القضية فلا يجب أن نلقي باللوم على الوافد، ذلك أنّه يريد التكسب، لكننا نلقي باللوم بشكل رئيسي أولاً على القطاعات الحكومية المعنية كوزارة التجارة والصناعة أولاً، ثم مؤسسة النقد العربي السعودي ثانياً، ثم المواطن "غير الصالح" ثالثاً.
فوزارة التجارة والصناعة هي من يتابع ويتحقق من السجلات التجارية والصناعية والممارسات الفعلية لذلك، ولعلّ في جهد مبارك وطني مخلص منها يستطيع أن يردم هذه الهوة العميقة السلبية في اقتصادنا الوطني التي جعلت المتحكم في كثير من معطياته هو غير السعودي بدعم مباشر من السعودي للأسف الشديد، ومؤسسة النقد العربي السعودي يفترض فيها أن تُشرع وتنظم مسألة التحويلات المالية، فالعاقل يُدرك تماماً أنّ من غير المنطقي أن يقوم الوافد بتحويل مبالغ مالية تزيد عن مرتبه الشهري المعلن، وهذا يُشير إلى أنّه إما سارق يجب عقابه أو متستَّر عليه يجب عقابه وعقاب من يقف خلفه، أما ما يتعلق بالمواطن فإنّ الحزم الشديد والعقاب المغلظ هو السبيل الوحيد لوأد هذه الممارسات التي أنهكت اقتصادنا الوطني وقذفت بالمواطن الراغب في اكتساب الرزق الحلال إلى خارج المنظومة الاقتصادية، وحيث فشلت الجهود التوعوية فإننا بحاجة ماسة إلى الجهد العقابي الحازم الذي يستطيع معالجة هذه الظاهرة للأسف الشديد.
أجزم أنّ في وطني الكثير من الخفايا التي تكشفها استخدامات التقنية وما يطلق عليه "الحكومة الإلكترونية" ولذا فإنّ التوسع في تطبيقها سيساهم كثيراً في معالجة الكثير من هذه الخفايا بعد أن يتم اكتشافها، ونحن بالفعل بحاجة إلى تكثيف الجهد في هذا المجال أملاً في تحقيق التنمية المجتمعية الوطنية التي ننشدها ونطمح إليها وتصرف الدولة الكثير من الأموال والجهود في سبيل تحقيقها، ولعلّ هاتين القضيتين اللتين تمثلان الشغل الشاغل للوطن والمواطن "الضمان الاجتماعي/ التستر التجاري" أكبر مثال واضح على معوقات التنمية في وقتنا الحالي.. ودمتم.
نقلا عن الرياض