إذا استطاعت الولايات المتحدة وكندا تصدير ثورة النفط والغاز الصخريين إلى دول العالم الأخرى فإن اقتصادات دول الخليج ستعاني بشكل كبير، ابتداء من قطاعات النفط والغاز، وتتبعها قطاعات البتروكيماويات والتكرير، وانتهاء بالقطاع العقاري والسياحي وتجارة التجزئة، وستهرب رؤوس الأموال، وستهاجر العقول.
وهذا يعني عودة الملايين من العمالة الوافدة إلى بلادهم، وبالتالي انخفاض الطلب على الطيران بشكل كبير من جهة، وانخفاض الطلب على العملات الخليجية من جهة أخرى. باختصار، إن أخطر أمر تواجهه دول الخليج ليس انخفاض الطلب على النفط والغاز، ولكن وفرة كل منهما في كل مكان.
من هنا نجد أنه رغم خسائر دول الخليج الكبيرة حاليا بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز، فإن هذا الانخفاض أسهم بشكل كبير في تأخير تطوير بعض الدول احتياطيات النفط والغاز الصخريين. باختصار، علينا المقارنة بما هو أسوأ، وليس بما هو أفضل.
وتشير البيانات إلى وجود احتياطيات الغاز الصخري في 32 دولة، وتقدر بأكثر من ستة أضعاف احتياطيات إيران، علما بأن إيران تحتوي على ثاني أكبر احتياطيات في العالم من الغاز الطبيعي التقليدي بعد روسيا.
وأكبر عشر دول في احتياطيات الغاز الصخري بالترتيب حسب الحجم هي الصين، والأرجنتين، والجزائر، والولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، وروسيا، والبرازيل.
ولفهم منجزات ثورة الغاز الصخري علينا أن نتذكر أن احتياطياته لم تكن تحسب على الإطلاق، وأن احتياطيات الصين من الغاز الصخري تعادل تقريبا احتياطيات إيران، واحتياطيات الأرجنتين من الغاز الصخري قريبة نوعا ما من احتياطيات قطر من الغاز التقليدي، التي تحتل المركز الثالث عالميا من حيث احتياطيات الغاز التقليدي.
أما بالنسبة للنفط الصخري، فإن احتياطياته العالمية تعادل تقريبا احتياطيات الإمارات والكويت والعراق معا من النفط التقليدي، ومعظم احتياطياته في بلاد غير عربية. وأكبر احتياطيات للنفط الصخري توجد في روسيا، تليها الولايات المتحدة، ثم الصين والأرجنتين وليبيا وأستراليا وفنزويلا والمكسيك وباكستان وكندا.
ولتوضيح حجم هذه الاحتياطيات يكفي أن نعرف أن احتياطيات روسيا من النفط الصخري (للتأكيد فقط، النفط التقليدي غير محسوب) تعادل احتياطيات كل هذه الدول مجتمعة: البرازيل وأنغولا والمكسيك والجزائر وأذربيجان والإكوادور والنرويج وبريطانيا.
إلا أن التجربة الأميركية لن تتكرر من ناحية الحجم والسرعة، وما سنراه -خاصة في الأرجنتين والصين- هو انتقال محدود وبطيء، وغالبا في مجال الغاز وليس في مجال النفط.
إن أهم عاملين في حدوث الثورة في الولايات المتحدة غير موجودين في دول أخرى، وهما: الملكية الخاصة للاحتياطيات، ووفرة المياه اللازمة لعمليات التكسير الهيدروليكي. وفي ما يلي تفصيل لأهم الأسباب التي تمنع أو تؤخر تصدير الثورة النفطية والغازية إلى دول أخرى:
الأسباب القانونية: الملكية الخاصة
لعل السبب الرئيسي في ثورة الغاز والنفط الصخريين هو الملكية الخاصة للاحتياطيات في الولايات المتحدة، هذه الملكية الخاصة تعني أن صاحب الأرض يملك ما تحتها، أو أن شخصا ما يملك ما تحت الأرض فقط.
ونظرا لأن كل شخص أو شركة يحاول تعظيم منفعته الخاصة، فقد تلاقت مصالح ملاك الأراضي أو الاحتياطيات مع الشركات المطورة والمنتجة، مع شركات التمويل من جهة، ومع الإدارة المحلية والولاية والحكومة الفدرالية من جهة أخرى، كما أسهمت تحسينات قانونية في الثمانينيات والتسعينيات في فتح مجال أكبر أمام صناعة الغاز خاصة، أهمها تحرير أسعار الغاز عند فوهة البئر.
هذا التغيير القانوني زاد المنافسة في كل أطراف الصناعة وزاد كفاءتها وأسهم في تخفيض التكاليف.
كل الأمور القانونية السابقة لا توجد في الدول الأخرى، خاصة في الدول الناهضة مثل الصين والأرجنتين.
الأسباب الجيولوجية: العمق وندرة الماء
بعد التجربة الفاشلة للشركات النفطية الأميركية في بولندا، تم التوصل إلى نتيجتين مهمتين: الأولى أن التركيبة الجيولوجية لكل حقل تختلف عن الآخر، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في كل أنحاء العالم أيضا.
والثانية أن التكنولوجيا التي تم تطويرها في الولايات المتحدة تناسب الحقول الأميركية وما شابهها فقط، ولا تعمل في حقول أخرى مثل الحقول البولندية.
إن أهم ما يميز حقول النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة أنها من طبقات سطحية نوعا ما ومستقرة جيولوجيا.
المشكلة في الصين مثلا أن احتياطيات الغاز عميقة جدا، الأمر الذي يجعل استخراجها مكلفا بدرجة تزيد ثلاثة أضعاف على تكلفة استخراج الغاز في الحقول الأميركية.
وبشكل عام، فإن تكاليف الحفر تتناسب طرديا مع العمق، إلا أنه يصعب جدا التعامل مع البئر لأن الضغط يزداد مع العمق، الأمر الذي يزيد التكاليف أيضا. وإذا نظرنا إلى جيولوجيا الصين والدول الآسيوية الأخرى نجد أن فيها الكثير من الانكسارات، الأمر الذي يجعل الحفر الأفقي غير مجد، ومستحيلا أحيانا.
ويمكن أن نضيف ندرة الماء للأسباب الجيولوجية لأن الماء هو المكون الأساسي المستخدم في عملية التكسير الهيدروليكي، وقد يكون المانع الرئيسي لتطوير المخزونات الهائلة من النفط والغاز الصخريين في عدد من الدول -خاصة الصين والهند والجزائر وليبيا- هو ندرة الماء.
الأسباب الاقتصادية: التمويل والبنية التحتية والتكلفة
لعل أهم الأسباب الاقتصادية هو عدم توافر الاستثمارات الكبيرة المطلوبة لتطوير الحقول، وارتفاع التكاليف مقارنة بالتكاليف في الولايات المتحدة، وندرة البنية التحتية، وبُعد بعض الحقول عن الأسواق. وبالنسبة لبعض الدول النفطية القديمة -خاصة روسيا وليبيا- فإن توافر النفط الرخيص فيها يمنع تطوير احتياطيات النفط والغاز الصخريين.
يتطلب تطوير حقول النفط والغاز الصخريين أموالا هائلة سنويا لا يمكن أن تتوافر في بلاد نامية أو ناهضة، الأمر الذي يتطلب تدخل شركات النفط والبنوك العالمية، والتي قد لا ترغب في القيام بذلك لأسباب سياسية واقتصادية وغيرها.
ولعل أكبر مشكلة تواجهها الشركات العالمية في الدول النامية والناهضة هو الفساد الإداري، وتحرّم القوانين الأميركية بشكل صارم قيام أي شركة أميركية أو شخص أميركي بدفع رشى لمسؤولين في دول أخرى للحصول على عقود، كما أن عدم الاستقرار الاقتصادي الذي تظهر آثاره في أمور تهمّ المستثمر الأجنبي مثل التذبذب الكبير في سعر العملة المحلية وتحديد كمية التحويلات للخارج، يجعل شركات النفط والبنوك العالمية تحجم عن الاستثمار في البلد، رغم ضخامة مخزون النفط والغاز الصخريين.
ولعل أكبر جزء من التكاليف يتعلق بالبنية التحتية اللازمة لأي صناعة بشكل عام، ولصناعة النفط بشكل خاص؛ فإذا نظرنا إلى أماكن تواجد الغاز الصخري في كل من الصين والهند وليبيا والجزائر نجد أن البنية التحتية معدومة، الأمر الذي يعني أن التكاليف لن تقتصر على تطوير الحقول فقط، وإنما تشمل البنية التحتية العامة كالطرق والجسور والسدود، والبنية التحتية الخاصة بصناعة النفط مثل الأنابيب.
الأسباب السياسية: عدم الاستقرار السياسي
عدم الاستقرار السياسي في بلاد عدة يمنع تطوير احتياطيات النفط والغاز الصخريين فيها، ولعل أهم الأسباب السياسية في البلاد المستقرة سياسيا نوعا ما هو تبني السياسيين سياسات اقتصادية تمنع تطوير هذه الاحتياطيات؛ ففي الأرجنتين -رغم إمكانية استخراج الغاز والنفط بتكلفة معقولة، ورغم رغبة الشركات الأجنبية في الاستثمار في الحقول الأرجنتينية- قامت الحكومة بتأميم شركة النفط، ثم قامت بتحديد أسعار المنتجات النفطية داخل البلاد في مستويات أقل من الأسعار العالمية بكثير، ونتج عن ذلك نمو ضعيف في إنتاج النفط والغاز الصخريين.
وتعاني الهند من بيروقراطية مقيتة جعلتها تتخلف في أمور النفط والغاز بشكل عام مقارنة بإمكانياتها من جهة، ومقارنة بدول أخرى مثل الصين مثلا. ولعل من الأمور السياسية المضحكة المبكية في الوقت نفسه هو اعتبار بعض السياسيين أن الدراسات الزلزالية لطبقات الأرض هي سر كبير من أسرار الدولة، الأمر الذي يمنع دخول أي شركة نفطية أجنبية، أو خبير أجنبي للعمل في شركة النفط الوطنية.
الأسباب البيئية: الخوف من التلوث
قامت بعض الدول الأوروبية التي تحتوي على احتياطيات كبيرة من الغاز والنفط الصخريين مثل فرنسا وألمانيا وبلغاريا وأسكتلندا وإيرلندا الشمالية وبعض الولايات في إسبانيا بإصدار قوانين تمنع التكسير الهيدروليكي أو توقفه لفترة معينة، وهو عماد صناعة النفط والغاز الصخريين، الأمر الذي يعني بالضرورة عدم تطوير هذه الحقول، وعندما حاولت الجزائر تطوير بعض حقول الغاز الصخري في الجنوب، خرج أهل المنطقة في مظاهرات كبيرة ضد تطوير الحقول بحجة التأثير السلبي على البيئة.
الخلاصة
هناك أمور قانونية وجيولوجية وسياسية واقتصادية وبيئية تمنع تكرار ثورة النفط والغاز خارج أميركا الشمالية. إلا أن هناك تهديدا حقيقيا لأسواق النفط والغاز العالمية من بلاد فيها بذور الثورة، وتنتظر الوضع الملائم لنموها، خاصة في الصين والأرجنتين.
مشكلة الأرجنتين سياسية فقط بينما مشكلة الصين ارتفاع التكاليف، فإذا تغير الوضع السياسي في الأرجنتين وارتفعت أسعار النفط والغاز عالميا فإن تطوير حقول البلدين سيكون ممكنا -وإن كان بشكل أبطأ وأقل مما حصل في الولايات المتحدة- الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة في المعروض.
ولكن قد تكون هناك مفاجأة من المكسيك بعد أن غيرت دستورها وقوانينها في العامين الأخيرين، وقامت شركة النفط الوطنية بحفر بعض الآبار في الحقل الحدودي المحاذي لحقل إيغل فورد في جنوب ولاية تكساس الأميركية، والظروف مواتية جدا لتطوير هذا الحقل خاصة، لتوافر المال والخبرة الأميركية، وتوافر استقرار سياسي وبيئة سياسية واقتصادية وقانونية مناسبة، ووجود البنية التحتية شمال الحدود.
هذا الحقل يمكن أن يضيف مليون برميل مكافئ يوميا من النفط والغاز والسوائل الغازية خلال ثلاث سنوات إذا ارتفعت أسعار النفط فوق خمسين دولارا للبرميل.
باختصار، راقبوا أميركا اللاتينية، فقد تحذو الأرجنتين حذو المكسيك.
نقلا عن الجزيرة نت
كلام خطير من رجل خبير
الاكيد الاوضاع بعد 2016 غير الاوضاع قبل 2016 نقطة تحول في التاريخ اتتنا على غفلة من حالنا وتخبطنا بالثروه التي وهبنا اياها الله يدل على ان امرنا الفكري خطير اذكر محاضرة لدكتور مصطفى محمود قديمة يقول اذا مشينا على هذا الاختلاف بيننا وبين الدول المتقدمه سيأتي يوما يكون الفرق بيننا وبينهم كالفرق بين الانسان والقرد اتوقع قربت الحالة القردية