فهم البعض من المقال السابق عن فقاعة الديون أن الديون مكروهة بكل حال، مع أن الشريعة الإسلامية أباحت البيع المؤجل، وثمنه دين في الذمة، كما أباحت الاقتراض وحثت على الإقراض للمحتاج، فهل الدين مكروه بكل حال أم أنه يكره في حال دون حال؟
فنقول إن الله تعالى بحكمته وعلمه بمصالح العباد، أباح الدين عند الحاجة، فلا بأس بالدين بشرط ألا تستخدم المديونية فيما هو مذموم شرعا، فقد روى عبدالله بن جعفر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن دينه فيما يكره الله" رواه الحاكم والدارمي وصححه الألباني في صحيح الجامع/1825.
وقال صلى الله عليه وسلم:"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله" رواه البخاري، ورجح ابن حجر رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث أن المدين إذا مات قبل الوفاء بغير تقصير منه، كأن يعسر مثلاً، أو يفاجئه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته أن يؤدي الدين من هذا المال فإنه لا يعتبر مؤاخذاً عند الله يوم القيامة.
وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم – على إقراض المحتاجين، ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:"من مَنح مَنيحةَ لَبَنٍ أو ورِقٍ، أو هَدَى زُقاقاً؛ كان له مثلُ عِتقِ رَقَبَة". رواه أحمد والترمذي -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: "منح منيحة ورِق" إنما يعني به قرض الدرهم، وقوله: "أو هدى زقاقاً"، إنما يعني به هداية الطريق، وهو إرشاد السبيل"، وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"كلُّ قرض صدقة". رواه الطبراني بإسناد حسن والبيهقي.
وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دخل رجل الجنة، فرأى مكتوباً على بابها: الصدقةُ بعشرِ أمثالها، والقرضُ بثمانية عشر". رواه الطبراني والبيهقي؛ كلاهما من رواية عتبة بن حميد.
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مسلم يُقرضُ مسلماً قرضاً مرتين؛ إلا كان كصدقتها مرة". رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً.
وما أفضل أن تتجه البنوك إلى إقراض المحتاجين من باب المسؤولية الاجتماعية بلا فوائد، لا سيما أن سنة القرض تكاد تنعدم في الوقت الحالي.
ومن المستحب للمدين أن يكثر من الأدعية التي وردت فيمن عليه دين، فمن ذلك ما رواه علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صير دينا أداه الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك" رواه أحمد 1318 , والترمذي 3563، والحاكم 1973 وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 2625 . وجبل صير جبل قرب حائل.
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:" دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله.
قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: ففعلت، فأذهب الله همي وقضى عني ديني" رواه أبو داوود 2/195.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله عز وجل بأدعية عظيمة منها: (اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واقض عني ديني) وقال عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال) وضلع الدين هو: ثقله، وهو أن لا يجد الدائن من حيث يؤدي، وفي رواية: (من غلبة الدين وقهر الرجال).
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم). المغرم: ما يغرمه الإنسان بسبب الدين مثلاً، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المأثم والمغرم؟ قال: (إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف)رواه البخاري.