خلال مناقشات برنامج التحول الوطني الذي ينظمه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان، ويشارك بها مسؤولون ومؤسسات وأفراد مستقلون،
نحتاج للاعتبار بتجارب «النمور الآسيوية»، وليس فقط «الدببة الغربية».. فإذا كان الدب يمشي على نور فالنمر لا يقفز في الظلام..
كوريا الجنوبية لم تأخذ بنصيحة البنك الدولي في الستينات بعدم الاستثمار في قطاع الحديد الذي أكد لها عدم قدرتها على منافسة دول الحديد التي سبقتها بباع طويل..
كان خبراء الغرب يتهكمون على جراءة دولة بائسة فقيرة! في الثمانينات أصبحت الشركة الكورية باسكو من أفضل منتجي الحديد.. وهي الآن من أكبر منتجي الحديد في العالم، بلا فضل للبنك الدولي..
نصيحة البنك الدولي على ماذا استندت؟
على النموذج الغربي للاقتصاد الرأسمالي، بفصل السياسي عن الاقتصادي، وأن ينحصر دور الدولة في توفير المنافع العامة والضروريات (كالدفاع والقضاء والبنية التحتية) للبيئة الاقتصادية المستقرة..
دون تدخُّل في السوق إلا نادراً وقت الأزمات، تاركة الأسواق وآلية الأسعار حرة ليزدهر الاقتصاد طبيعياً عبر المنافسة وآلية العرض والطلب؛ فتَدخُّل السياسيين في الاقتصاد يشوهه بالمحسوبية والبيروقراطية ويعطل التنافس الحيوي بين المنتجين... إنه النموذج الحديدي!
كوريا الجنوبية جازفت بكسر هذا النموذج.. فما الذي حصل؟ كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في كوريا الجنوبية نصفه مقارنة بالبرازيل عام 1950، فبلغ ضعفه في 1995، وخلال عام 2005 صار ثلاثة أضعافه، حسب كتاب علم الاقتصاد لدار دي كي (2015)، الذي سيستند عليه المقال.
هذا ينبهنا في «التحول الوطني» إلى ضرورة مراجعة الاستشارات والنصائح الغربية (خطة ماكينزي مثلاً) بما يتلاءم مع أوضاعنا الخاصة وليس نماذجهم الجاهزة كالعلب لكل الدول..
دول النمور الآسيوية أخذت حساباً لأوضاعها الخاصة وتدخلت في الاقتصاد عبر مجموعة من الاستثمارات الحكومية الفعالة التي حولت اقتصادياتها الراكدة إلى قوى صناعية عالمية. المقصود بالنمور الآسيوية: كوريا الجنوبية، هونج كونج، سنغافورة، تايون.. لحقت بها:
ماليزيا، تايلاند، إندونيسيا، ثم الصين. خلال نهاية القرن العشرين صارت النمور الآسيوية الأربعة تتمتع بمستوى معيشة ينافس غرب أوربا.. تغير تاريخي غير مسبوق في الثروة مما دعا لتسميتها «معجزة شرق آسيا».
هل هي معجزة فعلاً أم لأنها كسرت القالب الغربي؟ البيئة التي ظهرت فيها هذه النمور تشكلت عبر علاقة مكثفة بين الدولة والاقتصاد.. نمط أصبح يعرف بالاصطلاح الاقتصادي بـ»الدولة التنموية»، حيث يتشكل الاقتصاد فيه بتوفير الدولة للحوافز وتوجيه الاستثمار نحو المنتجين الصناعيين والتكنولوجيين، وإعطاء الشركات الناجحة فقط معاملة تفضيلية (قروض ومساعدات فنية)، مع وضع معايير أداء وإنجاز مُحدد لها موعد نهائي تحرم بعدها الشركات الفاشلة من المعاملة التفضيلية.
ترادف مع ذلك، الاستثمار الضخم في التعليم لدعم المصانع الجديدة بالكفاءات.. وتوفير البيئة العدلية لضمان الحقوق وكسب ثقة المستثمرين.. والبنية التحتية للحد من تكاليف الشركات المنتجة..
لكن يزعم بعض الاقتصاديين أن نمط السوق الحرة الكلاسيكي لم يتغير في اقتصاديات شرق آسيا الناجحة، فالدولة شجعت التنمية عبر دعم الأسواق بطرق تتماشى من اقتصاد السوق الحرة، وليس عبر التدخل فيه.. «الدولة التنموية» في شرق آسيا نجحت لأنها تبعت اقتصاد السوق وليس لأنها قادته.
فهل هذه الدول قادت السوق أم تبعته؟ كلاهما، وفقاً لعالم الاقتصاد روبرت ويد، لأنها وجهت التوسع للصناعات الواعدة عبر تقديم القروض والإعانات ليس حسب ما تراه الدولة بل حسب ما تتحكم به الأسواق؛ مما يفسر خلق الميزة التنافسية للصناعات الجديدة. فعندما تبدأ صناعة جديدة تكون أسعارها غير قادرة على المنافسة ولا بد من دعمها.
وفي ذات الوقت، فالمنتَج الجديد يتطلب الإعداد للمساندات الأخرى والبنى التحتية وتنسيق الإنتاج الأولي... تنسيق هذه العملية صعب جداً إذا ترك للقطاع الخاص وليس للدولة.
إنما لا نستعجل الحكم على نجاح تدخل الدولة في الاقتصاد، فخارج شرق آسيا لا يبدو أنها ناجحة، مما لطخ سمعة نموذج «الدولة التنموية» بالوحل. في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، لم تكن المعاملات التفضيلية مرتبطة بالمخرجات الاقتصادية بل بالسياسيين وأصحاب النفوذ والمصالح الضيقة: فلم تفرض معايير إنجاز، فالشركات ذات العلاقات النافذة تتلقى معونات وحماية، وليس الشركات الأكثر إنتاجية. هذه الشركات تستنزف ميزانية الحكومة وتستحوذ على الموارد بدلاً من إنتاجها. هنا، لم يساعد تدخل الدولة في بناء الميزة التنافسية للمصانع الجديدة، بل قاد لإنتاجية رديئة وركود اقتصادي.
لذا، ثمة شكوك بنموذج «الدولة التنموية»، وما زاد فيها الأزمة المالية التي ضربت النمور الآسيوية في التسعينات، واعتقد كثيرون أن المؤسسات التي تم تعزيزها بنمو صناعي سريع فقدت فاعليتها أواخر القرن العشرين. لكن الصعود الهائل للاقتصاد الصيني أعاد إحياء فكرة نجاح تدخل الدولة..
فهل نموذج «الدولة التنموية» ناجح؟ بيتر ايفانز الذي عكف لسنوات على دراسة هذا النموذج، يطرح فكرة اختلاف الدول في طريقة تنظيمها وارتباطها بالمجتمع مما يساعد في حالات ويعوق في حالات أخرى. بعض الدول، مثل زائير، الدولة «مفترسة»، تستنزف الموارد دون تقديم شيء. على نقيضها دول، مثل كوريا، تعزيز النمو الصناعي.
وفي دول أخرى لا تزال بين بين، كالبرازيل والهند. عمل الدولة الناجح يتطلب فهم حدوده الخاصة، ووجود علاقة واقعية مع الاقتصاد العالمي، والجمع بين التنظيمات الداخلية المتماسكة والصلات الوثيقة مع المجتمع.
إيفانز أطلق على أسواق الدول التنموية الناجحة مصطلحه المشهور «Embedded Autonomy» ما يمكن ترجمته: الاستقلال والدخول في التفاصيل.
أي أن الحكومة لا بد أن تحصل على معلومات مفصلة من الجهات الفاعلة غير الحكومية، وفي نفس الوقت تكون مستقلة عن المصالح الخاصة.
معادلة صعبة، لكن ليست معجزة.. هذا ما فعلته دول النمور الآسيوية بقابليتها لمقاومة ضغوط المصالح الخاصة، واضعة معايير إنجاز محددة الموعد، بعد تهيئة البنية التحتية والصحية والعدلية والتعليمية بما يناسب سوق العمل.. لكن قبل كل ذلك كانت المعادلة وفقاً لظروف مجتمعات هذه الدول..
وهذا ما نأمله هنا، لأنه أحد توجهات برنامج «التحول الوطني» الذي يحدد موعداً لقياس الأداء من خلال مئات المؤشرات لقياس مكوناته الرئيسية، وكان المجتمع فيها أكثر المحاور في عدد المكونات.. فالخطة الرائعة التي لا تستند على مكوناتها الاجتماعية قد تكون جميلة الأقوال معاقة الأفعال..
نقلا عن الجزيرة
ارتاحوا ووسعوا صدوركم لا يوجد عندنا ايدى عاملة كثيفة ورخيصة كما فى الدول الاسيوية لذلك ومهما كانت النصائح سواء الغربية او المحلية لاراح نقفز قفزة نمر ولاغيره نحن شعب تعود على الكسل والانفاق من ايرادات النفط وليس من السهولة تغيير مثل هذا السلوك فتغيره يحتاج الى عقود واجيال وتغيرات هيكلية فى الاقتصاد وفى السياسة وفى طبيعة ادارة المجتمع والقضاء على الفساد وعلى الاحتكار واشياء اخرى كثيرة لابد ان تتغير واستثمارات اجنبية لتأتى اليك بالتكنولوجيا المتطورة فى مجالات الادارة والانتاج للاسف نحن حتى الن حالة مستعصية ونقتات على ايرادات النفط ولا شىء غيره