دبلوماسية النفط وإنعاش الأمل
يبدو أن الدبلوماسية النفطية قد أعطت بعض الأمل في إنعاش السوق النفطية، خاصة بعد اجتماع وزيري نفط كل من السعودية وروسيا علي النعيمي وأليكساندر نوفاك في الدوحة أمس الثلاثاء، بحضور الوزير القطري محمد صالح السادة والفنزويلي يولوجيو دالبينو.
ومنذ ثلاثة أسابيع تقريبا ونحن نستمع لتصريحات من هنا وهناك عن نية في خفض الإنتاج بغية إنعاش الأسعار التي انخفضت إلى مستويات لم تشهدها السوق منذ 2003، كما أن جولة وزير النفط الفنزويلي يولوجيو دالبينو إلى روسيا والسعودية وتصريحاته المتفائلة أعطت الانطباع بأن المنتجين ربما يكونون مقدمين على عمل من أجل وقف تدهور أسعار النفط ورفعها إلى حد ما.
وهناك من قال إن اقتراحا بخفض الإنتاج 5% من جميع المنتجين أو الرئيسيين منهم على الأقل مطروح للنقاش الهادئ بعيدا عن أجواء الاجتماعات الرسمية والإعلام، لكن سرعان ما تلاشى هذا الاقتراح باعتبار صعوبة جمع الأطراف الفاعلة للموافقة عليه.
كان اجتماع الدوحة برعاية قطر قصيرا ومحددا واتفق خلاله على تجميد الإنتاج عند حدوده في يناير/كانون الثاني الماضي على أن توافق عليه الدول المنتجة الأخرى دون تحديد من هي الدول المعنية.
وقال وزير النفط السعودي بعد الاجتماع إن تجميد الإنتاج عند تلك الحدود سيكون مناسبا، حيث إن بلاده يتعين عليها تلبية احتياجات عملائها.
وقد ارتفعت أسعار النفط كالعادة كردة فعل آنية إلى أن استوعب المتعاملون في السوق تفاصيل الاتفاق ومدى استجابة المنتجين الآخرين له.
وفي جميع الأحوال كان الارتفاع متواضعا ولم يتجاوز 2.4%، إذ وصل نفط برنت إلى نحو 34 دولارا للبرميل بعد أن قفز لفترة وجيزة إلى أكثر من 35 دولارا للبرميل.
كل هذا بالقياس إلى ارتفاع الأسعار ما يقرب من 12% يوم الـ14 من فبراير/شباط أو 3.3 دولارات للبرميل في يوم واحد بمجرد التكهنات أن أوبك وربما معها منتجون آخرون سيخفضون الإنتاج.
لكن أسعار برنت عادت للانخفاض ووصلت إلى 32.25 دولارا للبرميل، كما انخفض سعر الخام الأميركي الخفيف 1.36% ليصل إلى 29.04 دولارا للبرميل.
مواقف الدول المنتجة
وفي ما يتعلق بمواقف الدول المنتجة، فقد أعلنت قطر وتبعتها فنزويلا موافقتهما فور انتهاء الاجتماع، كما أعلن العراق موافقته على تجميد الإنتاج على لسان متحدث لم يشأ أن يذكر اسمه، وكذلك فعلت الكويت بينما قالت أذربيجان إنها لا تخطط لتجميد إنتاجها، ولم يسمع رأي من منتجين آخرين ولو أن قطر وعدت بالاتصال بالجميع للحصول على تأييدهم.
وإذ أصدرت وزارة الطاقة الروسية بيانا يؤكد التزامها كان رد فعل شركة روس نفط أكبر المنتجين فيها بأن لديها أسئلة تتعلق بالاتفاق قبل التعليق عليه، وقالت على لسان نائب رئيسها إن على السعودية وإيران إعطاء ضمانات كافية.
كما أن السوق لم تكن مرتاحة لمدى هذا الاتفاق، إذ قال أحد المقربين من دوائر أوبك إن الاتفاق يجب أن يستمر لثلاثة أشهر على الأقل حتى تتمكن أوبك من فهم حركة السوق وإعطاء الوقت الكافي لخفض المخزونات قبل أن تفكر في خفض الإنتاج.
لكن وزير النفط السعودي أبقى الباب مفتوحا، إذ قال إن الاتفاق "ليس إلا البداية لعملية لاكتشاف الوضع في الأشهر القليلة القادمة قبل القرار إذا كنا بحاجة إلى خطوات أخرى لاستقرار السوق وإننا نريد أسعار نفط مستقرة"، وفسرت هذه التصريحات بأن السعودية قد تكون مستعدة لاتخاذ إجراء من شأنه إنعاش الأسعار.
زيادة المعروض والمخزونات
وقد لا يعني تجميد الإنتاج خفض المعروض حتى لو وافقت عليه جميع الدول المنتجة، فهناك زيادة في المعروض قد تصل إلى 1.75 مليون برميل يوميا خلال النصف الأول من هذا العام بموجب وكالة الطاقة الدولية، إضافة إلى الزيادات الكبيرة التي كانت موجودة في 2014 و2015 بحيث أصبح المخزون التجاري للدول الصناعية من النفط يصل إلى 2971 مليون برميل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وربما أكثر من ذلك بكثير في الوقت الحاضر.
وللمخزونات فعلها في الضغط على أسعار النفط، إذ يكفي أن تتوقف الدول عن بناء المخزون لينخفض الطلب على النفط أو أن تتعمد الدول السحب من المخزونات بدل شراء نفط جديد، خاصة أن طاقة المخزونات قد شارفت على الامتلاء، ولو أن مشاريع قيد التنفيذ قد توفر طاقات تخزين جديدة، لذا فإن المخزونات الحالية واحتمال زيادتها ستعمل دائما كابحا لأي ارتفاع كبير في الأسعار.
ولم تشأ إيران أن تعلق على الاتفاق، إذ ربما تنتظر زيارة وزير نفط فنزويلا وبحضور وزير النفط العراقي لمناقشة الاتفاق، إلا أن أحدا لا يتوقع موافقة إيران على تجميد إنتاجها وهي لتوها خرجت من عقوبات الأمم المتحدة والغرب، حيث أدى ذلك إلى هبوط صادراتها ما يقرب من 1.5 مليون برميل يوميا.
وربما تهنئ إيران المنتجين على الاتفاق، لكنها لن تكون طرفا فيه قبل وصول إنتاجها إلى ما كان عليه قبل فرض العقوبات.
وعلى الباقين أن يجدوا حلا لهذا الموضوع وإلا فسوف تزداد الشكوك إزاء فاعلية اتفاق الدوحة، وفيما إذا كان مقدمة لعمل أكثر فاعلية مستقبلا.
وستبقى سوق النفط أسيرة للتصريحات الإيجابية أو السلبية بشأن الاتفاق واحتمالات تطوره بدخول دول جديدة لإسناده، وقد نشهد تذبذبات قوية في الأسعار صعودا أو هبوطا بموجب تفسير السوق لتلك التصريحات.
ثم يجب توخي الحذر في الدعوة إلى اجتماع طارئ إلا إذا كان الاتفاق على عمل ما معد مسبقا ويكون الاجتماع هدفا لتأكيده فحسب فإن الدعوة لأي اجتماع ستكون ضربة للأسعار في حالة فشل الاجتماع وتباين الآراء بشأنه.
وعلى كل حال، فإن اجتماع أوبك الاعتيادي في يونيو/حزيران القادم، مما يعطي وقتا كافيا لإسناد وتمديد اتفاق الدوحة أو القيام بعمل آخر يدعم أسعار النفط.
نقلا عن الجزيرة نت