اجتماع الدوحة وحرب النفط الباردة

18/02/2016 4
م. برجس حمود البرجس

في ظل الاختلاف السياسي بين روسيا وإيران والسعودية، شاءت الأقدار أن يتزامن الحدث مع ضرورة اتفاقهم بشأن خفض أو إبقاء أو ربما رفع مستوى إنتاج النفط، فالمصلحة هنا واحدة وهي "استقرار مجدٍ لأسعار النفط".

تتفق الدول المصّدرة بالتمسك بعوامل التنافس ضد النفط الصخري ولكنها تختلف في مدى قوة التحّمل وأيضا يختلف بعضها في خدمة أجنداتها الخاصة كما يراه الرأي العام.

اجتمع وزراء نفط السعودية وروسيا وفنزويلا وقطر هذا الأسبوع في الدوحة واتفقوا على تجميد إنتاج النفط عند مستوى شهر يناير. وقال وزير الطاقة الفنزويلي إنه سيجتمع هذا الأسبوع في طهران مع وزيري إيران والعراق.

هذا ما ورد في الصحف الرسمية من رصد للنتائج والتصريحات.

وذكر وزير الطاقة القطري أن الاتفاق على تجميد إنتاج النفط عند مستويات يناير شريطة مشاركة كبار المنتجين بالقرار، وربما كان القصد العراق وإيران.

طبعا فنزويلا تعاني من ضرر اقتصادي وقد أعلنت قبل شهر حالة الطوارئ الاقتصادية.

نعلم أن دول الأوبك جميعها لا تتقيد بالإنتاج المعلن - 30 مليون برميل يوميا - فقد فاق الإنتاج 31.5 مليون برميل كمعدل يومي لعدة أشهر وهذا يجعلنا في حيرة من أمرنا بشأن سياسة النفط. فائض إنتاج النفط حوالي 4 ملايين برميل يوميا وإيران تستعد للحصول على السماح لرفع إنتاجها 1 مليون برميل بعد أن مُنع بحظرٍ اقتصادي وعقوبات؛ أما ليبيا فهي خارج المعادلة حاليا ولكن ربما تعود خلال هذا العام أو العام القادم بمليون ونصف برميل يوميا.

"الرأي العام" محليا يرى أن هذه القرارات اقتصادية أحيانا، وسياسيا أحيانا أخرى؛ ويرى أن من مصلحة المملكة انخفاض أسعار النفط لتؤثر على المنافسين وربما بعض الدول المنتجة ولكنه يفرح لأي ارتفاع لتلك الأسعار، ولا ألوم "الرأي العام" فهل نحن نريد رفع أسعار النفط فنستفيد وتستفيد روسيا وإيران، أم أننا نريدها أن تنخفض، وهل خرج النفط الصخري من المعادلة وأصبح المنافس الجديد هو إيران وروسيا؟

وعندما تخرج العوامل السياسية المؤثرة من المعادلة وتقرأ لمراكز البحوث والتطوير والدراسات في الغرب ستجد أن المسألة تكنولوجيا واقتصاد، أما العامل السياسي فهو إضافي وليس أساسي.

وفي جانب آخر من التصريحات وفي نفس الحدث، نقلت لنا الصحف المحلية أن معالي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي المهندس علي النعيمي نفى أن تكون الأسعار المنخفضة للنفط قد تركت أي أثر على الاقتصاد السعودي، حيث قال "لا يوجد أي تأثير بصدق وأعرف وقرأت الكثير في وسائل الإعلام وهذا كلام فارغ، والسعودية لديها وفرة من الموارد الأخرى، ونحن نعمل بسرعة كبيرة جدا لتنويع اقتصادنا وزيادة مصادر الدخل للاقتصاد السعودي"، وأكد معالي الوزير أن السعودية لا تواجه مشكلة في التعامل مع الوضع الراهن لأسعار النفط.

طبعا "الرأي العام" يعلم جيدا الوضع الاقتصادي للمملكة، ويعلم عن التأثير الاقتصادي، بل إن الوزراء تحدثوا عن تأثير انخفاض أسعار النفط في المؤتمر الصحفي في يوم إعلان الميزانية العامة للدولة، والجميع يدرك جيدا بقية القصة.

وإن كان الهدف من هذه التصريحات هو استقصاد المنافسين بمعلومات تخدم أجندات التنافس، فهم يقرأون تقاريرنا المنشورة وأخبار صحفنا، فتقرير مؤسسة النقد يوضح حجم السحوبات من الاحتياطي الأجنبي التي فاقت 450 مليار ريال إضافة إلى قروض محلية بحوالي 100 مليار ريال، فمهما كان سبب السحب والإنفاق إلا أن الإيرادات النفطية انخفضت 70 % وكما يعلم الجميع أن الاقتصاد السعودي يعتمد على النفط ومشتقاته بنسبة تصل إلى 90 %.

بغض النظر عن هذه التصريحات والتي لن نتوقف عندها، يجب أن نستوعب المشكلة الأساسية ونعلم أن التطور التكنولوجي في أعمال الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي مكّن من زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، ومع أن تكلفة إنتاجه مرتفعة إلا أنها في تحسن مع مزيد من التطور التكنولوجي وتحسين أداء الأعمال، وقابل ذلك "مقومات تحمّل" مختلفة من الدول المصدرة للنفط، وامتزجت بأجندات مختلفة وخلافات سياسية، فمتى ما انقضت الخلافات تبقى معادلة "اقتصاد النفط"، فالمنافس الحقيقي ليس شركات النفط الصخري، بل وجود النفط الصخري ووجود آليات وتكنولوجيا تستطيع استخراجه، أما شركات الصخري فهي قادرة على العودة متى ما ارتفعت أسعار النفط، هذا إن خرجت. 

نقلا عن الوطن