المعروض النفطى بين السعودية و إيران .... إختلاف رؤى

04/02/2016 4
سليمان إبراهيم حامد

أدى رفع العقوبات على إيران إلى وجود حالة من الهجس لدى بعض دول الخليج فى مجال النفط، خاصة فيما يتعلق بمستويات الإنتاج لكل دولة، وتعد المملكة السعودية الدرع الأول لمواجهة الإنتاج الإيرانى.

إلا أن هذا الهاجس مبالغ فيه إلى حد ما، فالأجدر التركيز بشكل أكبر على إتجهات كل دولة وخططها المستقبلية وما ترغب به حيال مستويات إنتاجها كلاً على حدة.

فالبنسبة للمملكة السعودية – التى تعد أكبر منتج للنفط فى منظمة أوبك – فإتجاهها بتخفيض مستويات الإنتاج تعد فكرة مستبعدة تماماً، بل الأمر يتجه إلى قدرة – وليس رغبة – المملكة على زيادة مستويات الإنتاج إذا ما أضطرت لذلك، فالطاقة الإنتاجية الكامنة للمملكة وما تملكه من بنية تحتية قوية فى هذا القطاع وسمعتها الموثوق بها تجعلها قادرة على زيادة الإنتاج بل وغزو أسواق جديدة إن لزم الأمر.

ويأتى إصرار المملكة فى الحفاظ على هذا المستوى من الإنتاج من دافعين إثنين، إحداهما يأتى من كون اللإيرادات النفطية تعد مورد رئيسى من موارد الدولة، فإذا ما إنخفضت الأسعار لابد وأن يواجهها زيادة فى الكمية، وهذا ما وضحته البيانات الصادرة عن شركات الأبحاث والتى أشارت إلى نمو الصادارت النفطية للمملكة بنسبة بلغت 4% حتى نوفمبر 2015.

وعلى مستوى قدرة وسرعة المملكة للتحول إلى التنوع الإقتصادى فإن هذا الأمر سيأخذ باعاً من الزمن، فالمملكة بحاجة ملحة إلى إستثمارات أجنبية مباشرة لتفعيل التنوع، وحتى هذه اللحظة لا توجد بوادر حقيقة وإتجاهات قوية لتفعيل ذلك.

كما أن ما تملكة السعودية من صناديق إستثمارية سيادية وإحتياطات دوليه مرتفعة فى ظل قوة النظام المصرفى لديها والمنطقة يعطيها ميزة نسبية للإستمرار فى الحفاظ على مستويات الإنتاج.

والدافع الآخر يأتى من تخوف المملكة – إن صح هذا التخوف - من فقدان حصتها السوقية فى ظل رفع العقوبات عن إيران، وهذا ما يعطى إنطباع  قوى بصعوبة إحتمالية تخفيض المملكة لمستويات إنتاجها.

وبشأن التخوف من تخمة المعروض الناتج عن رفع العقوبات عن إيران فإنه أمر مبالغ فيه، فإنتاج إيران النفطى سيأخذ إتجاهاً تصاعدياً بشكل تدريجى حتى نهاية العام الحالى ولكن ببطئ، وسيصل مستوى الإنتاج إلى طاقته القصوى مع ضخ المزيد من الإستثمارات فى هذا المجال والتى ستأخذ فترة من الزمن لا تقل عن خمسة سنوات، إضافة إلى مواجهة إيران بعض العقوبات التى لم ترفع عنها بعد.

فسوء البنية التحتية لقطاع النفط الإيرانى - بعد سنوات من فرض العقوبات - يستلزم ضخ إستثمارات بمبالغ مهولة، كما أنها بحاجة إلى إستثمارات شركات النفط الدولية لتطوير تكنولوجيا التنقيب، وتعانى هذه الشركات من تآكل هوامش أرباحها بسبب إنخفاض الأسعار مما يدعوها إلى التحرك ببطئ فى مجال ضخ المزيد من الإستثمارات، وهذا ما يحمل فى طيته التخفيف من وتيرة زيادة إنتاج النفط الإيرانى.

ومن منظور آخر فالسوق الإيرانى يعد فرصة إستثمارية فى مجالات أخرى غير النفطية، وهذا ما وضحه "روحانى" بإحتياج بلاده لإستثمارات أجنبية تصل إلى 50 مليار دولار لدعم معدلات النمو، والتأكيد على هدف تنويع الهيكل الإقتصادى لبلاده، ولاقى هذا الأمر ترحيب من قبل الإستثمارات الأجنبية، فحتى الآن أُعلن عن صفقات لا تقل عن 37 مليار دولار فى قطاعات من البناء إلى الطيران وصناعة السيارات.

كما أن الرئيس الإيرانى عبر فى أكثر من مناسبة عن عدم إحتمالية إستمرار إنخفاض أسعار النفط، وأشار إلى مفهوم التنسيق بين الدول المنتجة لتجنب الخسائر الفادحة، مما يعطينا إنطباعاً بتدارك إيران لخطر ضغ المزيد من مستويات الإنتاج.

وبمفهوم التحدى والإستجابة،  دفعت القيود التى فُرضت على إيران من ذى قبل للبحث عن موارد تمويلية أخرى، وهذا ما تجلى فى خطاب الرئيس الإيرانى بإعتماد موازنة البلاد على 25% فقط من العائدات النفطية، فى مقابل 68% عائدات الضرائب.

وعلى نطاق دولى، تواجه كلا الدولتين حالة من تباطئ نمو الطلب العالمى مصحوبة ببعض الأزمات التى تواجه أكبر الإقتصاديات العالمية، مما يعنى فى وقتنا الراهن أن فكرة زيادة الإنتاج لدى الدول النفطية أمر غير محبذ.

فأكبر اقتصاديات العالم تتجه لسياسة التيسير الكمى بالطرق المختلفة، فاليابان إتجهت لفرض سعر فائدة سلبى لضخ المزيد من السيوله، وقامت الصين بضخ المزيد من السيولة فى السوق، ومازال الإتحاد الأوروبى ينتهج سياسة التيسير الكمى، وأظهر الفيدرالى الأمركى مؤخراَ قلقه بشأن النمو العالمى وأبقى سعر الفائدة دون تغيير.

والملاحظة الأجدر هنا أن الخلاف الجيوسياسى بين الدولتين لم  يعد له تأثير بالغ فى أسعار وكميات النفط بالمنطقة، فالأزمة السياسية الأخيرة التى حدثت بين الدولتين جراء إعدام المملكة لبعض من الشيعة لم يكن له تأثير معنوى على أسعار النفط بالمنطقة.

أى أن فى هذا الحديث، تتباين رؤى كل دولة لمستويات إنتاجها، فالمملكة ليس لديها بدائل أخرى فى مجال الحفاظ على مستويات إنتاجها، كما أن التحدى الذى تخوضه حالياً هو تحدى لابد منه ليس بالمفهوم السياسى فقط ولكنه بالمفهوم الإقتصادى أيضاً حتى يتثنى لها تنويع مصادر الدخل وإعادة الهيكلة الإقتصادية، وفى نفس الوقت تتجه إيران إلى إتجاه آخر مدركة أهمية تنويع الهيكل الإقتصادى، والذى ستصل إليه بشكل أسرع، فى ظل  إشادة الكثير من البلدان الأوروبية بالفرص الإستثمارية بإيران.