نسعى لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية.. لكن دون هدف!!

02/02/2016 7
د. عبدالرحمن محمد السلطان

الحديث عن أن الجهات المختصة تراجع حالياً نظام التأشيرات بهدف تسريع عملية إصدار تأشيرات العمل ضمن جهود تشجيع الاستثمارات الأجنبية حديث لا علاقة له بواقعنا الاقتصادي، ويظهر أننا نسعى لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية دون وعي بهدف محدد نسعى إلى تحقيقه من ذلك.

وتظن عندما تسمعه أننا في بلد الاستقدام فيه مقيد بشدة،

وأنه لا بد من تغيير هذا الواقع الذي أعاق قدرتنا على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، بينما يعرف الجميع أن مالك ورشة أو بقالة يستطيع أن يستقدم كيفما أراد، ووجود ما يزيد على 13 مليون عامل أجنبي من بينهم ما لا يقل عن 10 ملايين يعملون في القطاع الخاص يظهر أننا لا نحتاج إلى أي دليل إضافي على ذلك.

وعندما يسعى بلد ما لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، فإن دافعه الأول هو خلق فرص عمل نوعية لمواطنيه ونقل للمعرفة والتقنية باستقطاب شركات عالمية متخصصة..

وهذا أمر متعذر تماماً إذا كان هذا المستثمر سيستقدم جل عمالته من الخارج، ففرص العمل ستكون للعمالة الأجنبية ونقل التقنية سيكون إلى البلدان التي سيتم استقدامها منها وليس إلى المملكة، فنقل التقنية يكون ممكناً فقط في حال كون من يتعلمها ويتدرب عليها مواطناً.

وهو ما يظهر تأثرنا الشديد بنموذج دبي التنموي دون أن ندرك عيوبه الهائلة وعدم مناسبته لنا مطلقاً..

فالمستفيد الأكبر من هذا النموذج التنموي هم الأجانب الذين فتحت لهم الأبواب ليقوموا بكل شيء تقريباً وليتملكوا ويديروا معظم الإنتاج الحقيقي، بحيث تحوّل المواطن إلى مستهلك فقط لما ينتجه الأجانب سواء كانت منتجات مستوردة أو منتجة محلياً لكنها في حقيقتها أجنبية.

وفي ظل كون حوالي 65% من مواطني المملكة ممن هم في سن العمل هم خارج سوق العمل حالياً بسبب المنافسة غير العادلة التي يواجهونها من عمالة أجنبية متدنية المهارة والأجر، فليس من المعقول أن نعتقد أن نموذجاً مثل هذا مناسب لأن ننقله أو نسعى لمحاكاته.

وإن كنا نبحث عن نموذج تنموي نرغب في محاكاته ومناسب تماما لواقعنا الاقتصادي فهو نموذج سنغافورة. فسنغافورة لم تسع إلى استقطاب أي استثمار أجنبي، وإنما استهدفت فقط استقطاب الشركات الرائدة pioneer›s companies على مستوى العالم، وفي كل صناعة من الصناعات التي استهدفت تطويرها في سنغافورة..

وبذلت كل جهد ممكن لضمان أن تكون فرص العمل التي تخلقها هذه الاستثمارات تذهب لمواطني سنغافورة وليس لعمالة أجنبية تستقدمها هذه الشركات.

لذا فقد كانت سنغافورة تطلب من الشركات الأجنبية التي تسعى لاستقطابها أن تحدد مسبقاً احتياجاتها من الموارد البشرية عالية التأهيل بكل دقة، فتقوم هيئة التنمية الاقتصادية السنغافورية ومن خلال التنسيق مع الجهات الأخرى المعنية بوضع برامج تدريبية تتحمّل الحكومة السنغافورية كامل تكاليفها تستهدف بناء موارد بشرية محلية عالية التأهيل تلبي تلك الاحتياجات بكفاءة متناهية، بحيث لا تجد تلك الشركات نفسها مضطرة لتلبيتها من خلال عمالة أجنبية تستقدمها.

وقد وصل نجاح سنغافورة في هذه السياسة حداً أصبح معه توافر هذه العمالة عالية التأهيل وفق احتياجات تلك الشركات محلياً واحداً من أهم عوامل الجذب التي تساعد على استقطاب تلك الشركات وتشجيعها على الاستثمار في سنغافورة، أي أن الاستثمار الأجنبي لم يحل مشكلة البطالة فقط بل أوجد كماً هائلاً من الوظائف عالية المهارة ومرتفعة الدخل للعمالة المحلية.

من ثم فمن الواضح أننا نفتقر تماماً لرؤية محددة تفسر سعينا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، حيث لا نستطيع ومن خلال ما نراه على أرض الواقع أن نحدد ما هو بالضبط الذي نسعى لتحقيقه من جهود استقطاب الاستثمارات الأجنبية؟!.

فكوننا واحداً من أكبر بلدان العالم تصديراً لرأس المال يعني أننا لا نعاني من شح في الموارد المالية وإنما نعاني من شح في فرص الاستثمار دفعت تلك الاستثمارات إلى الرحيل إلى الخارج، بالتالي لا يمكن تفسير ما يجري بكونه سعياً لاستقطاب رؤوس الأموال من الخارج.

وحديث مسؤولينا حول أن وسيلتنا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية هو مزيد من تسهيل الاستقدام يظهر أننا لا نسعى لكي ينتج عن هذا الاستقطاب فرص عمل لمواطنينا وتفعيل لدور مواردنا البشرية في عملية التنمية ومن ثم نقل للمعرفة والتقنية.

وفي ضوء هذا الواقع، فإننا بحاجة إلى نحدد بالضبط ما الذي نحاول تحقيقه من استقطاب الاستثمارات الأجنبية؟!! وأشك أننا نملك أي إجابة مقنعة على هذا السؤال البسيط والبسيط جداً.

نقلا عن الجزيرة