اتفقت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تطبيق ضريبة القيمة المضافة. وهذا أمر مفهوم وسط التراجع الحاد في الإيرادات النفطية لدول المجلس الست، حيث يمثل النفط المرتكز لتمويل الانفاق العام.
ولكن ثمة أمورا كثيرة نتمنى أن تحظى بذات دافعية الإنجاز كتكتل يسعى لتشكيل اقتصاد واحد.
لنأخذ مثلاً، بالأمس القريب أعلنت دول الآسيان أنها ستعمل سوياً لاستقطاب السياح لدولها، من خلال جهد موحد ومنسق؛ بمعنى لا فرق إن ذهب السائح لسنغافورة أو إلى أندونسيا، ما يهم أن يأتي للآسيان.
سيقول قائل إن تجربة الآسيان "طويلة" تتجاوزنا بنحو 20 عاماً.
نحن سبقناهم بان اتفقنا حول ضريبة القيمة المضافة، وعلينا أن نحقق ذات الشيء ليس فقط بما يعزز الإيرادات العامة، بل كذلك ما يحسن مناخ الاستثمار لدول المجلس، وبالتالي يؤدي إلى تنشيط النمو الاقتصادي، في وقتٍ تعاني فيه دولهِ من تراجع الانفاق العام، وانتشار التقارير الاقتصادية بمعايشة دوله لتباطؤ اقتصاداته الست.
فبالأمس القريب، راجع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو المستقبلي لاقتصادات المنطقة بالخفض إجمالاً، مما يعني قدوم موجة تباطؤ اقتصادي لمنطقتنا.
ومن المبرر القول إن فرص أن نحتمي منها سوياً أفضل بكثير من أن "يعزف" كل منا لحناً مستقلاً.
أقول هذا باعتبار أنه يمكن الجدل بأن تعاون دول مجلس التعاون سوياً للتنسيق؛ للتخفيف من آثار موجة التباطؤ الاقتصادي القادمة أوقع وأعلى أثراً من التنسيق فيما يتصل بضريبة القيمة المضافة.
والخوف أن تدفع الأزمة المالية، والرغبة الدافعة في استقطاب الاستثمارات، أن تتنافس دول مجلس التعاون فيما بينها! هذا حدث في السابق، وتحديداً في التسعينيات، ثم أتت طفرة النفط في بداية الألفية الثالثة لتخفف من ذلك؛ نتيجة لارتفاع إيرادات النفط.
ويمكن الجدل بأن دول المجلس الست مرشحة للتنافس على استقطاب الاستثمارات فيما بينها؛ والسبب أن لكل دولة نسق تعمل به فيما يتصل بالاستثمار الأجنبي، فلا تنسيق يذكر بينها في هذا الصدد، بل كل منها "يسحب الفرص لجهته"! وحالياً، جميعها تعاني من تراجع وتيرة الاستثمار الأجنبي، وعندما يحدث ذلك نجدها تتجه لبعضها البعض لاستقطاب الاستثمار.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، مرت منطقة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بمنعطفات سياسية واقتصادية خطرة، وكانت فلسفة الأداء الاقتصادي الجماعي خلالها "كل على همه سرى.. وأنا على همي سريت"! فنجد أن ما كان ضاراً للبعض، كان "رُبَ ضارة نافعة للبعض الآخر"!
حالياً، على دول مجلس التعاون أن تضع سياجاً لتحقيق المكاسب الاقتصادية سوياً، ولدفع الأضرار والمخاطر الاقتصادية سوياً، تماماً كما قررت أن تَدرس وتقيم ثم تجبي ضريبة القيمة المضافة سوياً.
هكذا، لنكون سوياً طول الوقت وليس بعض الوقت وفي بعض القضايا؛ وبذلك تصبح -عملياً- مصالحنا واحدة وأخطارنا الاقتصادية واحدة! ولعل التحرك ذي الأولوية الحرجة في هذا الاتجاه أن تعلن دول مجلس التعاون قيام منطقة جمركية واحدة خلال الأسابيع القادمة، وتعمل على وضع إستراتيجية خليجية للاستثمار الأجنبي، وذلك لتعمل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية سوياً للنهوض أمام التحديات الاقتصادية التي تجابهها، وذلك كمنطقة جمركية واحدة فتقع الحواجز الجمركية فيما بينها بما يسهل انسياب التجارة، فيصبح لا فرق في أي مرفأ خليجي تحط الشحنة بإعتبار أن كل منافذ دول المجلس تؤدي لمنطقة واحدة.
وهذا ليس مطلباً جديداً، بل قديم وقد حث بيان المجلس الأعلى في دورته 36 التي عُقدت في الرياض على سرعة إنجازه، والدعوة هنا من باب تأكيد التأكيد.
الأمر الثاني أن إطلاق مجلس التعاون باعتبار دوله الست تمثل منطقة استثمارية واحدة، تطبق ذات المعايير؛ لجذب الاستثمارات بما يعزز تنافسية دول المجلس والإنتاجية فيها.
ما يبرر ما تقدم؛ الحاجة لإجراءات غير مسبوقة؛ للتعامل مع التحديات الاقتصادية الراهنة والقادمة، وتوظيف الاتفاق لاطلاق ضريبة القيمة المضافة باعتبارها سابقة، تستحق أن تتخذ كبداية لولادة التعاون الاقتصادي الخليجي من خواصر متعددة؛ رغبة في الانتقال من حال التنافس لحال التكامل والتعاضد، انطلاقاً من مجموع القدرات النسبية والتنافسية لكل دول المجلس؛ ليغذي بعضها بعضاً وليقوي بعضها بعضاً.
نقلا عن اليوم
الاتحاد الجمركي احتاج 30 سنه وتمت ولادته مشوها والقيمه المضافه خلال جلستين تم اقرارها