خطورة تخصيص الأنشطة الإنتاجية

19/01/2016 7
د. عبدالرحمن محمد السلطان

الدول التي نجحت في تخصيص مرافقها الحكومية تكون قد قطعت شوطاً كبيراً في جهودها لرفع كفاءة أداء القطاع الحكومي، ولأنها ترغب في تحقيق معدلات أداء أعلى فإنها تلجأ إلى التخصيص كونه السبيل الوحيد المتبقي لتحقيق ذلك.

من ثم فتوجهنا للتخصيص دون بذل أدنى جهد لتحسين كفاءة أداء المرافق الحكومية المستهدفة بذلك، يظهر أن لدينا تصوراً خاطئاً عن التخصيص جعلنا نظن أنه يمكن أن يكون الخطوة الأولى في طريق رفع كفاءة الاقتصاد بينما هو في الواقع خطوة أخيرة في طريق صعب وشاق، ونحن في ذلك أشبه بمن يحمل شهادة المرحلة الابتدائية ويتقدم لبرنامج دكتوراه دون أن يدرك أنه يلزم أن يتجاوز مراحل دراسية عديدة قبل أن يتأهل لذلك.

ويصبح الأمر أكثر خطورة عندما نسعى لتخصيص الأنشطة الإنتاجية، فبيع أنشطة إنتاجية حكومية لم نحقق تقدماً ملموساً في رفع مستوى أدائها يعني أنها ستقوم مالياً بقيم تقل كثيراً عن قيمتها الحقيقية، ما قد يحول عملية تخصيصها إلى مجرد استيلاء من قِبل قطاع الأعمال على أصول حكومية بثمن بخس لا يعكس ما تملكه من إمكانية كبيرة لتحسين أدائها المالي بجهد بسيط.

على سبيل المثال بيعت شركة بترومين في عام 2007 بقيمة 200 مليون دولار رغم أن اسمها التجاري لوحده قد تكون قيمته تقرب من ذلك المبلغ ناهيك عما تملكه من أصول مختلفة. ومن اشتراها يسعى منذ عام 2010 إلى إدراجها في سوقنا المالية من خلال عملية اكتتاب أولي يُقدّر أنها ستدر عليه ما يزيد على مليار دولار. أي أن السوق المالية بعد سنوات قليلة فقط أصبحت تقومها بأضعاف السعر الذي بيعت به، وهو المصير نفسه الذي ينتظر أي قطاع إنتاجي حكومي نمضي قدماً في تخصيصه دون أن نبذل كل جهد ممكن لرفع مستوى أدائه قبل ذلك.

وفي إحدى الدول العربية التي ظنت أنها تستطيع القفز مباشرة إلى تخصيص الأنشطة الإنتاجية دون بذل أي جهد في رفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية القائمة بتلك الأنشطة تحول برنامج التخصيص في الغالب إلى عملية استيلاء من قبل رجال الأعمال المتنفذين على قطاعات إنتاجية حكومية تملك أصولاً هائلة بقيم متواضعة، بحيث أن برنامج التخصيص أصبح في الواقع يعكس مستوى أعلى من الفساد الإداري وأبعد ما يكون من أن يكون برنامجاً لرفع كفاءة أداء الاقتصاد.

لكل ما سبق فإن تخصيص الأنشطة الإنتاجية دون تحقيق تقدم كبير في مستوى كفاءتها كأنشطة إنتاجية حكومية لا يعدو أن يكون تقديم للعربة على الحصان ويفتح الباب واسعاً لاستيلاء المتنفذين من رجال الأعمال على الأصول الحكومية الإنتاجية بثمن زهيد لا يعكس مطلقاً ما تمتلكه من أصول وإمكانية كبيرة لتحقيق مستوى أداء مالي أفضل بكثير.

نقلا عن الجزيرة