أثر رفع أسعار الطاقة على شركات الإسمنت

18/01/2016 8
د. سليمان الخطاف

تم تعديل أسعار الطاقة في المملكة مؤخراً في خطوة استراتيجية تهدف إلى ترشيد استهلاك النفط ومشتقاته على جميع المستويات.

والأمل أن يحفز هذا الارتفاع البسيط بأسعار الطاقة الأفراد والشركات المختلفة على ترشيد استهلاك الوقود وإعداد استراتيجيات وآليات لخفض النفقات ورفع الأرباح نتيجة لذلك.

لاشك أن ارتفاع استهلاك المملكة للنفط ومشتقاته أصبح من القضايا المهمة التي تحتاج إلى معالجة فورية ولا تتحمل الانتظار لأنها قضية تهمنا جميعاً والمحافظة على ثروات البلاد مسؤولية الجميع.

فلقد أصبح النمو السنوي لطلب المملكة على النفط يأتي في المراتب الأولى عالمياً ويكاد يتساوى مع أكبر دول العالم في عدد السكان الصين والهند.

رفعت حكومة المملكة أسعار الطاقة بنسب قليلة بحيث تستطيع الصناعة استيعاب هذا التعديل بدون تأثيرات كبيرة.

والحقيقة أنه حتى مع الارتفاع البسيط لأسعار الطاقة في المملكة إلا أن أسعار الطاقة لا تزال الأقل عالمياً ويجب أن لا يصاحب هذا التعديل بالأسعار تغيير كبير في تكاليف الانتاج.

تعد المملكة في مقدمة الدول التي أولت صناعة الإسمنت اهتماماً خاصاً ودعماً يقل نظيره بين دول العالم الأخرى وذلك لأن هذه الصناعة تعتبر بجد الحجر الرئيس في قطاع البناء ومشاريع البنية التحتية والإسكان، ولذلك عملت الدولة كل شيء ليكون هذا القطاع مغرياً وجاذباً للاستثمار.

فلقد تم تذليل كل العقبات وعملت كل التسهيلات والمحفزات وأهمها الدعم الكبير للوقود الذي يمثل نصف تكلفة الانتاج.

ويعتبر الإسمنت المنتج بالمملكة من أقل الاسمنتات بالعالم من حيث الكلفة والأسعار ويعرض الشكل مقارنة بين أسعار زيت الوقود في المملكة والأسعار في البورصات العالمية قبل وبعد انخفاض أسعار النفط العالمية.

ومع اتجاه الدولة إلى التركيز على ترشيد استهلاك الوقود في المملكة ومحاربة الهدر تم رفع جزء بسيط من الدعم، وهنا قد يتساءل البعض عن أثر رفع هذا الدعم عن صناعة الإسمنت في المملكة.

لاشك أن رفع جزء من الدعم عن أسعار الوقود سوف يتسبب في خفض بسيط في ربحية شركات الإسمنت، ولكن ما هو الأثر الحقيقى لرفع أسعار الطاقة على شركات الإسمنت المتداولة في سوق المال السعودى.

وفي هذا السياق فقد أعلنت شركة إسمنت السعودية أن تعديل أسعار الطاقة سيرفع نفقاتها بحوالي 68 مليون ريال سنوياً، ولو افترضنا أن هذه الشركة تربح سنوياً حوالي مليار ريال ولديها 153 مليون سهم فإن هذا يؤدي إلى خفض ربحية السهم من 6.5 ريال الى 6 ريالات سنوياً.

أي أن أثر رفع سعر الوقود هو خفض ربحية السهم بحوالي نصف ريال. وأما اسمنت القصيم فلقد أعلنت أن تعديل أسعار الطاقة سيرفع تكاليفها التشغيلية بحوالي 47 مليون ريال سنوياً.

ولقد أعلنت الشركة أرباحاً لعام 2015م بحوالي 586 مليون ريال، وبذلك حتى لو تم حساب رفع أسعار الطاقة لأدّى ذلك إلى خفض أرباحها إلى 539 مليون ريال، وبذلك يصبح أثر تعديل أسعار الطاقة على شركة إسمنت القصيم هو خفض ربحية السهم السنوية من 6.5 ريال الى حوالي 6 ريالات، وهذا يعني أن تأثير رفع أسعار الطاقة على شركة إسمنت القصيم يشابه إسمنت السعودية خفض نصف ريال من ربحية السهم أو حوالي 8% من ربحية السهم.

والجدير بالذكر أن أسعار هذه الأسهم قد انخفضت قيمتها بالمقابل بحوالى 40-50% من أسعار بداية عام 2015 وذلك قبل تعديل أسعار الطاقة بالمملكة.

وأما شركة إسمنت الجنوب فلقد أعلنت أن الأثر المالي على رفع أسعار الطاقة هو 50 مليون ريال زيادة في التكاليف التشغيلية لكل عام.

ولو افترضنا أن هذه الشركة تربح سنوياً حوالي مليار ريال ولديها 140 مليون سهم فإن الأثر المالي عليها هو انخفاض ربحية السهم السنوية من 7.1 ريال الى 6.8 ريال أي حوالي 0.4 ريال.

ويمكن بالترشيد وخفض النفقات أن تعوض هذه الشركات هذا الانخفاض القليل بربحية السهم جراء رفع سعر الوقود.

وأما إسمنت ينبع فلديها 157.5 مليون سهم وأعلنت أن تعديل أسعار الطاقة سيرفع تكاليفها التشغيلية بحوالي 45 مليون ريال وأعلنت أيضاً أن أرباحها لهذا العام تقدر بحوالي 806 ملايين ريال وهذا يعني أن ربحية سهمها قبل التعديل 5.1 ريال، ولو تم خصم 45 مليون ريال تكاليف الارتفاع بأسعار الطاقة فإن الأرباح ستصبح حوالي 760 مليون ريال، وبهذا ستنخفض ربحية السهم الى 4.8 وهذا يدل على أن أثر رفع أسعار الطاقة هو خفض ربحية سهم إسمنت ينبع بحوالي 0.3 ريال، وهي قيمة بسيطة ويمكن تعويضها بخفض النفقات الأخرى وترشيد استهلاك الطاقة.

وأما إسمنت العربية فلقد أعلنت أن الأثر هو ارتفاع التكاليف بحوالي 40 مليون ريال، ولو افترضنا أنها تربح سنوياً حوالي 600 مليون ريال، ولديها حوالي 100 مليون سهم فإن الأثر على ربحية السهم لن يتعدى 0.45 ريال سنوياً.

وأما إسمنت اليمامة فلقد أعلنت أن الأثر المالي سيكون بحدود 60 مليون ريال. ولديها حوالي 200 مليون سهم. ولو افترضنا أن الشركة تربح سنوياً حوالي 660 مليون ريال فإن الأثر على ربحية السهم سيكون خفض الربحية بحوالي 0.3 ريال.

وفي نفس السياق فقد خفض أحد البنوك الاستشارية توصيته لأحد أكبر شركات الإسمنت في المملكة من الشراء إلى التخفيض وأوصى ببعض الشركات الأخرى بالاحتفاظ فقط وذلك بسبب القلق بشأن الاتجاهات طويلة الأجل نظرا لانخفاض أسعار النفط وخفض الإنفاق الحكومي في الموازنة الجديدة.

وبحسب التوزيعات المعتادة لبعض شركات الاسمنت ومقارنتها بالأسعار الحالية لأسهمها، فإن التوزيعات النقدية لهذه الأسهم قد تصل الى حوالي 10% من قيمة السهم.

وهذا بكل تأكيد يعد أمراً محيراً أن تصل أسعار الأسهم الى هذا الحد من الهبوط وأن توصي مؤسسة مختصة بعدم الاحتفاظ بها.

وهذا يدفع المرء لأن يعتقد أنه قد يكون غاب عنه شيء أو أخطأ بالحساب. أو ربما تشاءم البعض من انخفاض أسعار النفط العالمية الأمر الذي سينعكس على خفض الإنفاق العام.

تعتبر توزيعات شركات الإسمنت السعودية من الأفضل في الأسواق، وحتى بعد رفع جزء بسيط من دعم الطاقة. ولو أجرينا بعض المقارنات بشركات عالمية لوجدنا أن توزيعات شركات الإسمنت السعودية لا تزال في الطليعة.

فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر سهم شركة إكسون موبيل، وهي من أكبر الشركات في العالم حالياً، حوالي 77 دولارا، وقد وزعت أرباحاً بحوالي 3 دولارات عن عام 2015م، أي حوالي 4% من قيمة السهم.

وأما سعر سهم شركة داو كيميكال، فيبلغ حالياً حوالي 43 دولارا، وقد وزعت هذه الشركة العملاقة حوالي 1.7 دولار أرباحاً للعام الماضي، أي بحوالي 4% أيضاً من قيمة السهم. وتؤكد هذه الأمثلة أن شركات الإسمنت السعودية ما زالت تحظى بدعم كبير يجعلها من الأفضل تنافسية في العالم.

وفي الختام، يبدو واضحاً أن تعديل أسعار الوقود بالمملكة لن يتسبب بأضرار كبيرة لقطاع الإسمنت بل على العكس، فهو يهدف الى دفع هذا القطاع إلى الترشيد، ويحث أصحاب الصناعة على الإسراع بوضع الاستراتيجيات لرفع الكفاءة وخفض النفقات والمحافظة على الثروات الناضبة، وذلك أسمى الأهداف.





نقلا عن اليوم