نشرت الصحف خبر رفع شركات التأمين في المملكة العربية السعودية لبوالص التأمين، ويتساءل البعض عن مدى مخالفة هذا الفعل لنظام المنافسة السعودي، وفي هذا المقال بيان لوجهة نظري في تصرف مؤسسة النقد عندما وجهت شركات التأمين أن تحدد أسعارها بناء على الدراسات الاكتوارية، وأن يبتعدوا عن حرب الأسعار بينهم.
وفي البداية نؤكد ما ذكرنا في مقال سابق من كون شركات التأمين ملزمة بالتقيد بنظام المنافسة فقد أكد نظام المنافسة السعودي على أن أحكام النظام تطبق على جميع المُنشآت العاملة في الأسواق السعودية ما عدا المؤسسات العامة والشركات المملوكة بالكامل للدولة( i)، وهذا العموم يدخل فيه شركات التأمين، ولو كانت في أعمالها الأخرى مراقبة من مؤسسة النقد.
ولذا فإن ما كانت تمارسه شركات التأمين من القيام بالتسعير العدواني أو الافتراسي ( Predatory Pricing) بفرض أسعار منخفضة جدا، قد تصل إلى أقل من سعر التكلفة. وهذا مخالف لقوانين المنافسة جميعها ( ii).
وقد حظرت الكثير من الأنظمة وكذلك اللائحة التنفيذية لنظام المنافسة السعودي على المنشأة ذات الوضع المهيمن إساءة استغلال الهيمنة للإخلال بالمنافسة أو الحد منها أو منعها، ومن ذلك القيام بسلوك يؤدي إلى عرقلة دخول منشأة أخرى إلى السوق أو إقصائها منه أو تعريضها لخسائر بما في ذلك اضطرارها للبيع بالخسارة(iii ).
والبيع بسعر أقل من سعر السوق لأجل الإضرار بالمنافسين أمر مخالف للشريعة، لأن الشريعة الإسلامية تحافظ على حقوق المنتجين والمستهلكين في آن واحد، فكما لا يجوز الإضرار بالمشترين كذلك لا يجوز إضرار التجار ببعضهم، ومن ذلك تخفيض البائع الأسعار مما يضر الباعة الآخرين، فقد ورد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب ، مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له، بالسوق. فقال له عمر بن الخطاب : إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا(iv )، وفي رواية عبدالرزاق أن عمر بن الخطاب وجد ابن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف تبيع يا حاطب؟ فقال: مدين، فقال: تبتاعون بأبوابنا، وأفنيتنا وأسواقنا، تقطعون في رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعا، وإلا فلا تبع في سوقنا، وإلا فسيروا في الأرض واجلبوا، ثم بيعوا كيف شئتم ( v). وفي رواية أن عمر مر برجل يبيع طعاما قد نقص سعره، فقال:اخرج من سوقنا، وبع كيف شئت( vi).
وفي الجانب المقابل، فإن الدولة إذا رأت في شركات التأمين جنوحا للمغالاة والمبالغة في الأسعار فإن لها أن تتدخل بالتسعير العادل، وقد صح عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود قال: "جاء رجل فقال: يا رسول الله، سعِّر، فقال: "بل أدعو الله "، ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله، سعر، فقال: "الله يخفض ويرفع" (vii )، وذكر علماء الإسلام ذكروا أنه يتعين التسعير في أحوال، منها أن يمتنع صاحب السلعة التي يضطر الناس لها إلى بيعها بأكثر من قيمة المثل، قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -:" ولهذا كان على الوالي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه"( viii). وفي فقه ذلك يقول ابن تيمية - رحمه الله -:"... مثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل،..."( ix).
ويشمل ذلك السلع والخدمات، يقول ابن تيمية - رحمه الله -:" ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة ناس مثل حاجة الناس إلى الفلاحة والنساجة والبناية: فإن الناس لا بد لهم من طعام يأكلونه وثياب يلبسونها ومساكن يسكنونها... فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبا يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل ولا يمكن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم"( x).
ولذا فإن على مؤسسة النقد ومجلس المنافسة أن يكون بينهما تنسيق لدراسة رفع شركات التأمين للبوالص التأمينية بحيث لا تظلم الشركات ولا يظلم المستهلك، لأن المستهلك لم يفق من صدمة الارتفاعات المتتالية في وقت وجيز حتى تفاجأ برفع بوالص التأمين، وهذا يترتب عليه ارتفاع أجرة نقل السلع والبضائع، وهو الذي سيتحمل في النهاية كل ارتفاع.
( i) نظام المنافسة السعودي م3، وفي القانون الإماراتي الاتحادي للمنافسة 3.
(ii ) نظام المنافسة السعودي م5-1، قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية المصري م 8-ح، القانون الإماراتي الاتحادي للمنافسة م6-1-ب، وقانون المنافسة اليمني م8-ب-1، قانون تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار لسنة 2009 السوداني م6-2-و، القانون القطري للمنافسة: 4-10. قانون المنافسة الكويتي 4-6، قانون المنافسة المغربي - م 7.
( iii) اللائحة التنفيذية لنظام المنافسة السعودي- م 7-2، وتنظر المادة 4-5. وعلى هذا الكثير من قوانين المنافسة، ينظر على سبيل المثال: قانون المنافسة الأردني م6، قانون المنافسة ومنع الاحتكار السوري م6. قانون المنافسة الكويتي 4-12.
( iv) رواه مالك في الموطأ برقم 2399 (طبعة الأعظمي)، ومن طريقه عبدالرزاق في مصنفه برقم 14905،
( v) رواه عبدالرزاق في مصنفه برقم 14906.
( vi) رواه عبدالرزاق في مصنفه برقم 14904.
( vii) أخرجه أحمد في "المسند" (2/337 رقم 8448)، وأبو داود في "سننه"، كتاب الإجارة، باب في التسعير (3450)، والبيهقي في "سننه" (6/29)، من طريق سليمان بن بلال، وأبو يعلى في "مسنده" (6521)، والبغوي في "شرح السنة" (2125)، من طريق إسماعيل بن جعفر، والطبراني في "الأوسط" (427)، من طريق أبي أويس، وابن منده في "التوحيد" (274)، من طريق محمد بن جعفر بن أبي كثير، جميعهم (سليمان، وإسماعيل، وأبو أويس، ومحمد بن جعفر) عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، به، وهذا لفظ سليمان بن بلال. وحسن إسناده ابن حجر في "التلخيص الحبير" (3/ 962)، والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (540)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (3450).
( viii)مجموع الفتاوى 28/ 75.
(ix ) الحسبة لابن تيمية – دار الكتب العلمية ص 22.
( x) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية – جمعها عبدالرحمن ابن قاسم 28/82.
مخالف للشريعة..جميل لكن سؤال يتبادر في ذهني هل ينطبق هذا الحكم على موضوع عدم تخفيض المملكة لإنتاج النفط بحيث تم تضرر بعض الدول؟
ولماذا المملكه وحدها ملزمه لتخفيض انتاجها ؟! ولماذا لاتقوم الدول الاخرى بخفض انتاجها ؟! ... اذا قامت المملكه بخفض انتاجها قامت دول اخرى بسرقة حصة المملكه السوقيه دون ان ترتفع اسعار النفط ... في الثمانينيات قامت المملكه وحدها بخفض الانتاج لرفع اسعار النفط والذي حدث هو ان دول اخرى استولت على حصة المملكه السوقيه ولم ترتفع اسعار النفط !! هذا الامر لن يتكرر هذه المره وهذا ماصرح به وزير البترول علي النعيمي ....اما ان يكون هناك اتفاق وخفض جماعي للانتاج من جميع الدول داخل وخارج اوبك لمصلحة الجميع واما ان يبقى الحال كما هو حتى تخرج الدول غير القادره على المنافسه من السوق ويصحح السوق نفسه بنفسه ... هذا هو الحل ....