فقدت أسعار النفط حوالي 70% من قيمتها في منتصف العام الماضي واصبحت معظم الشركات البترولية في مختلف انحاء العالم تعاني وتصارع من أجل البقاء.
وها هو برنت هبط تحت مستوى الاربعين وسجل 37 دولارا بعد أن كان 110 دولارات في منتصف العام الماضي، وأما الخام الأمريكي فقد أصبح يتداول بحوالي 35 دولارا للبرميل وهذا يعني أن الأسعار عادت لمستويات 2003م.
لاشك أن الانخفاض الأخير يثير الدهشة والاستغراب، وهي تعني أن صناعة النفط العالمي على مفترق طرق.
الأسعار الحالية للنفط (حوالي 36 دولارا للبرميل) لن تسمح لشريحة كبيرة من المنتجين الرئيسيين بالاستمرار لأن تكاليف الإنتاج لديهم أعلى من أسعار النفط على أرض الواقع وهذا يعني اغلاق كثير من المشاريع المنتجة للنفط عالي الكلفة ويعني ايضاً انخفاضا بالامدادات العالمية للنفط.
وقد تتميز السنوات القادمة باختفاء أصحاب الكلفة المرتفعة وذلك لوفرة النفط التقليدي الذي يستخرج بكلفة تقل عن 20 دولارا للبرميل.
تنتج اوبك نفطها بتكاليف تتراوح ما بين 5-20 دولارا للبرميل وتريد معظم دول اوبك رفع انتاجها لامتلاكها احتياطيات ضخمة من النفط.
وحتى كثير من الدول خارج اوبك تتميز بتدني كلفة انتاجها النفطي مثل حقول روسيا العادية وآسيا الوسطى وغيرها.
ولكن توجد كميات كبيرة من النفط التقليدي في أماكن يصعب الوصول إليها مثل القطب الشمالي أو أعماق البحار. وتتميز هذه الاماكن بارتفاع كلفة إنتاج النفط فيها.
ولقد ارتفع عدد هذه المشاريع في هذه الاماكن سواء في روسيا أو امريكا أو البرازيل بسبب ارتفاع اسعار النفط في الفترة من عام 2009 -2014م قبل أن يبدأ الهبوط الكبير مع بداية 2015م.
اذاً تم التخطيط للانتاج في اجواء تتميز بارتفاع كبير لأسعار النفط ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
يباع برميل برنت بأسعار منخفضة للغاية مما يجعل الاستمرار بانتاج هذه النفوط عملية خاسرة ولذلك أوقفت كثير من الشركات عمليات الانتاج.
وانخفض على سبيل المثال انتاج أمريكا من النفط الصخري بحوالي 0.5 مليون برميل باليوم مقارنة بقمة الانتاج التي حدثت في ابريل المنصرم.
ولو نظرنا للشكل لوجدنا أن مشاريع انتاج النفط الروسي بالقطب لن تستطيع وبكل تأكيد البقاء وستوقف مشاريعه بالحال ان لم تكن قد توقفت بالفعل. فكل برميل ينتج بتلك الظروف القاسية يخسر المنتجين حوالي 50 دولارا.
والجدير بالذكر ان شركة غازبروم نفت الروسية قد بدأت بالانتاج الفعلي من هذه المنطقة اذ وصل الانتاج فيها الى حوالي 10 آلاف برميل باليوم وكان من المتوقع أن يصل الانتاج الى حوالي 0.5 مليون برميل من هذه المناطق بحلول 2020م.
والحقيقة أن سعي روسيا الحثيث لزيادة الانتاج من كل مكان قد اوصلها الى قمة انتاجها النفطي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مسجلة انتاجا قدره حوالي 10.75 مليون برميل باليوم في هذا العام.
ولاشك ان خفض قيمة العملة الروسية الروبل قد ساعد شركات النفط على تحمل اتعاب انخفاض أسعار النفط العالمية، لان الشركات المنتجة للنفط تبيع نفطها بالدولار وتدفع نفقاتها الداخلية والضرائب بالروبل المنخفض.
ولكن بلا شك فان الشركات العالمية العاملة في روسيا مثل شل وبريتش بتروليوم واكسون تعاني الامرين من انخفاض الاسعار مما جعلها تصرف آلاف العمال وتخفض النفقات.
وأما النفط غير التقليدي المنتج في كل من كندا وامريكا فسوف يتسبب انتاج البرميل الواحد بخسارة الشركات المنتجة حوالي 30 دولارا.
وهذا يعني ان العالم سيفقد حوالي 6 ملايين برميل باليوم من هذا النفط غير المجدي اقتصادياً في الوقت الحاضر.
وبحسب تقرير اوبك الاخير فان الولايات المتحدة انتجت في عام 2015م حوالي 13.6 مليون برميل باليوم من السوائل النفطية بارتفاع 0.6 مليون برميل يومي عن عام 2014م.
ويشكل الزيت الصخري حوالي 4.3 مليون برميل باليوم والسوائل الحيوية حوالي 1.23 مليون برميل باليوم وسوائل الغاز الطبيعي من المصادر الصخرية حوالي 1.8 مليون برميل باليوم.
وهذا يعني ان حوالي 55% من انتاج امريكا للسوائل البترولية هو انتاج غير تقليدي يتميز بكلفة اعلى من انتاج الزيت التقليدي.
ومن هنا تأتي صعوبة الاستمرار بمثل هذا الانتاج لانه لا يتوافق مع اساسيات الاسواق التي تقول البقاء لاصحاب الكلفة المنخفضة.
ولو نظرنا الى الوقود الحيوي فمعظم التقنيات تملك كلفة تقدر 3 دولارات للجالون او 120 دولارا لانتاج برميل وقود حيوي بامريكا.
وبسعر 33 دولارا لبرميل النفط الامريكي فان كلفة انتاج برميل الجازولين أو الديزل في امريكا لن تتخطى 45 دولارا وهذا يعرض بطريقة مبسطة ما يحدث لبدائل النفط مع انخفاض الاسعار، انها تتساقط الواحدة تلو الاخرى.
سقط النفط الرملي ثم الصخري ثم الوقود الحيوي ولولا دعم الحكومات الغربية لهذه البدائل لما استطاعت البقاء يوما واحداً عند أسعار النفط الحالية.
وكان نتيجة ذلك ان انخفضت صادرات الديزل الحيوي من امريكا الجنوبية الى الولايات المتحدة واوروبا.
وعلى سبيل المثال في سبتمبر الماضي كان سعر طن زيت الوقود أعلى من طن زيت النخيل أحد أهم مصادر الديزل الحيوي بحوالي 250 دولارا.
واما الان فيعتبر سعر طن زيت الوقود ارخص بحوالي 200 دولار من زيت النخيل وهذا ما يجعل مصادر الوقود الحيوية غير قادرة على منافسة النفط بالاسعار الحالية.
ولقد استوردت الصين العام الماضي حوالي 875 الف طن من الديزل الحيوي لدعم حاجتها للوقود ولدعم صناعة الوقود الحيوى.
وأما الآن فيصعب على الصين مقاومة جاذبية الأسعار المنخفضة للنفط وهذا ما يجعلها غير راغبة باستيراد المزيد من هذا الديزل.
وسينخفض استيراد اوروبا وامريكا للديزل الحيوي الارجنتيني بسبب عدم قدرته لمنافسة الديزل الاحفوري.
وفي الختام يعد انخفاض اسعار النفط لهذه المستويات تحديا كبيرا لدول اوبك التي فقدت اكثر من 700 بليون دولار من عائدات النفط مقارنة بعائدات 2012م.
ولكنها في نفس الوقت فرصة لدول اوبك لضخ المزيد من الاستثمارات في حقول جديدة حتى لا يحتاج العالم الى بدائل اخرى مرتفعة التكلفة وبذلك يبقى النفط قريب المنال من جميع دول العالم وباسعار معتدلة تساعده على البقاء كمصدر اول للطاقة لعقود قادمة.
يتكلم الجميع عن تأثير النفط والفحم على تغيرات المناخ، ولكن يرى الجميع ان العالم يطور المزيد من التقنيات للحصول على المزيد من النفط كالنفط الصخري والرملي من امريكا الشمالية.
بالاضافة الى سعي الصين وروسيا الحثيث الى تطوير صناعة الزيت غير التقليدي.
نقلا عن اليوم