لم نقرأ أو نسمع من جهة رسمية عن تفاصيل "برنامج التحول الوطني"، وقبل إبداء الرأي فيه، أكاد أجزم بأنه سيتضمن حزمة من الإصلاحات، ومن ضمنها ما يأتي أمام ما تواجهه المملكة من تحديات اقتصادية تتوجب إصلاحا في سوق العمل والوظائف وتنويع مصادر الدخل.
أكاد أجزم بأن البرنامج سيحتوي على منهجيات ضرورية اعتمدتها الدول المتقدمة قبلنا، وسبق أن ذكرت في "برنامج الثامنة" مع الأستاذ داود الشريان قبل سنتين عن ضرورة تحول البلد من مستهلكة إلى منتجة، بحيث إن كل الأجور التي تعتمد على ميزانية الدولة النفطية تعتبر عبئاً على الدولة متى ما هبطت الإيرادات النفطية؛ أيضاً، ذكرت في مقال قبل أسابيع عن أهمية خصخصة الخدمات، ولكنها تتضمن شروطا أساسية، وهي ليست مناسبة في الوقت الحالي لاقتصادنا.
وسمعنا من الزملاء الذين حضروا ورشة العمل الأسبوع الماضي "برنامج التحول الوطني" عن اعتماد "مؤشرات قياس الأداء" للوزارات والوزراء وسعدنا به كثيراً.
ولكن يجب أن ندرك أنه بعيداً عن الإصلاحات الإدارية ومنهجيات الأعمال والتي نثني عليها، إلا أن هناك عدة أمور يجب النظر إليها لارتباطها بـ"برنامج التحول الوطني"، وأهمها إيرادات خزينة الدولة، وتوليد الوظائف المنتجة، والاستثمارات في البنية التحتية.
لن أتحدث عن استثمارات الدولة الداخلية والخارجية، فهي أعلم بأن التغيير والتطوير أصبحا أمرين ضروريين، وستعمل عليه ضمن برنامج التحول الوطني.
نعلم أن القطاع الخاص "كما هو الآن" غير قادر على البناء والتحمل، وطبعا لا يمكن للدولة أن تستثمر في الأعمال مباشرة كبناء المصانع وخدمات الطيران والتكنولوجيا وغيرها من أعمال منتجة.
لذلك، يلزم "تأسيس صناديق استثمارية ومساهمة"، وتكون الحصص الكبرى فيها للدولة، لتتحكم في مجالس الإدارة، كيلا يطغى استهداف الربحية القصوى على حساب تطوير الاقتصاد والوظائف، وطبعا جميعها مطلوبة ولكن بتوازن لتحقيق جميع الأهداف المرجوة؛ وأن يكون هذا على غرار "صندوق الاستثمارات العامة" في تأسيس شركة سابك، ولكن للصناعات الأخرى المتقدمة، والصندوق الثاني لتطوير الصناعات والخدمات التكنولوجية، والثالث لتطوير السياحة، والنقل، والطيران والفضاء، والبقية.
يتساءل الكثير:
ماذا علينا أن نعمل في المملكة؟
كيف ننوع من مصادر الدخل؟ هل سيضمن لنا تنويع مصادر الدخل إيرادات من خارج المملكة؟
أم أنها من الداخل فبالتالي هي معتمدة على الدخل من النفط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟
لكي تبني المملكة هويتها الاقتصادية، عليها النظر إلى المحفزات المتاحة، المملكة لديها احتياطات نقدية عالية ودين عام قليل، وهذا يتيح لها الاستثمار ودعم الشركات في تنويع مصادر الدخل.
وتتميز المملكة عن الدول الأخرى بدخل من النفط -وإن ضعف في السنوات القادمة- إلا أنه سيكفيها لدفع رواتب موظفي الدولة ومشروعات البنى التحتية.
أيضًا، تتميز المملكة بكبر مساحتها غير المبنية ووفرة الكوادر البشرية بشرط توفير وظائف برواتب مناسبة.
هذه المعطيات تُمكن المملكة من بناء هوية مؤقتة، وهي الصناعات المتوسطة بجانب هويتها النفطية، وفي نفس الوقت تمكنها من بناء هويتها المستقبلية بعيدة المدى.
بالنظر إلى صادرات السلع بين دول العالم التي تبلغ 18 تريليون دولار أميركي، نجد أن أكبر السلع غير نفطية المصّدرة بين الدول هي السيارات ومعدات النقل، والإلكترونيات والأجهزة والمعدات الكهربائية والميكانيكية، التي تبلغ قيمتها أكثر من 6 تريليونات دولار.
وبما أن هناك طلبًا على هذه السلع نجد أن أكبر الدول تنتج وتصدر تلك السلع، وأكبرها الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا والمكسيك وفرنسا وإيطاليا وهولندا وكوريا الجنوبية.
هذه السلع تصّدر تقريبًا إلى جميع دول العالم، ومنها المملكة العربية السعودية، حيث إننا نستورد السيارات ومعدات النقل والإلكترونيات والأجهزة والمعدات الكهربائية والميكانيكية كأكبر السلع المستوردة بأكثر من 350 مليار ريال سنويًا، وهذا يمثل أكثر من 50 % من واردات المملكة السنوية التي تفوق 650 مليار ريال بعد أن كانت 156 مليار ريال قبل 10 سنوات ولا تزال في تزايد.
العمل على صناعة تلك السلع على المدى القصير والمتوسط يتماشى مع استراتيجية تنويع مصادر الدخل، واستراتيجية توفير الفرص الوظيفية المناسبة والكثيرة للمواطنين، واستراتيجية خفض الواردات من الخارج.
يتطلب هذا عمل خطة سريعة تتضمن الدعم والاستثمارات، والتدريب وإعادة التأهيل للكوادر البشرية، وتفعيل دور مراكز البحوث والتطوير والدراسات خصوصًا في الجامعات.
على المدى القصير والمتوسط والمدى البعيد، المملكة لا تستطيع بشكل كبير الاعتماد على السياحة غير الدينية ولا الزراعة نظرًا لطبيعتهما، ولذلك على المملكة التركيز على الصناعة والخدمات المتقدمة.
بالنظر للاستراتيجيات التي سبق ذكرها، على المملكة بناء هويتها المستقبلية على المدى البعيد معتمدة على مخرجات فكر الإنسان من ابتكارات وتصاميم، وهذا يحدث فقط عندما يكون الهدف تطوير الإنسان من خلال التعليم والتأهيل والتطوير المستمر، وأيضًا بناء وتفعيل مراكز البحوث والتطوير والدراسات ودور الفكر والخبرات.
نقلا عن الوطن