خطة ماكينزي 246

15/12/2015 9
م. برجس حمود البرجس

شكرًا ماكينزي لتأييد كلامنا بأن اقتصادنا يعاني في تركيبته الأساسية، شكرًا ماكينزي لتأييد كلامنا بأن الاعتماد على النفط لم يعد آمنا ولا مستداما؛ شكرًا ماكينزي لتخطئة كل من كان يمتدح عيوب الاقتصاد، ومن كان يصّور لنا اليابس أخضرا، شكرًا ماكينزي للجرأة على استنتاج "حُر" وإن كان عكس التصريحات والتقارير الصحافية والإعلامية والمقالات الملونة.. وأخيرا شكرًا ماكينزي لتأييد مقالي قبل أسابيع "10 ملايين سيدخلون سوق العمل خلال 25 سنة" في استنتاجكم لاستحداث 6 ملايين وظيفة خلال 15 عاما، في كلا الحالتين المعدل 400 شهريا "بالملي".

وزارة التخطيط والاقتصاد أوكلت مهمة إعداد خطة "المملكة العربية السعودية ما بعد النفط:

التحول للاستثمار والإنتاجية" إلى شركة ماكينزي الاستشارية التي اعتمدت خطة 2/4/6 وهي ترمز إلى 2 أي مضاعفة حجم اقتصاد المملكة في 15 عاما ليصل إلى 6 تريليونات ريال، وترمز الـ4 إلى أن القطاع الخاص سيستثمر 4 تريليونات دولار أي 15 تريليون ريال خلال الـ15 سنة القادمة ليوّلد 6 ملايين وظيفة للسعوديين، وهي الرمز الأخير 6.

لم تعلم ماكينزي أن هذا الرقم 15 تريليون ريال يفوق الخيال، ولم تعلم أن السيولة والموجودات للقطاع الخاص في الداخل والخارج لا تصل إلى 3 تريليونات ريال، واحتياطات الدولة النقدية لا تصل إلى 2.6 تريليون ريال، ولم تعلم ماكينزي أن المملكة لم تستطع جذب 1 % من هذا الرقم من الاستثمار الأجنبي، ولم تعلم أن إيرادات المملكة من الصادرات النفطية منذ اكتشاف النفط طوال الـ82 عاما لم تصل إلى 15 تريليون ريال، فكيف تعشمنا بأن القطاع الخاص الذي يعيش على الدعم الحكومي سيستثمر أكثر مما يملك بعشرات المرات ليحل مشاكل الحكومة التي عجزت الوزارات عن حلها؟

رسمت الخطة رسومات جميلة ذكرت بها أن دخل المملكة سيعتمد على النفط بنسبة 30 % فقط بعد 15 عاما، بعد أن كنّا (اليوم) نعتمد عليه بنسبة 90 %، وذكرت أيضا أن مشاركة القطاع الخاص في حجم الاقتصاد سترتفع من 38 % إلى 84 % بعد 15 عاما؛ وذكرت الخطة أن عدد الموظفين السعوديين الذكور سيرتفع من 4 ملايين إلى 7.3 ملايين، والإناث من 730 ألفا إلى 3.5 ملايين، أما عدد غير السعوديين سينخفض من 6 ملايين إلى 3.8 ملايين، وهذا يوضح أنه حتى عملية "إحلال العمالة الوافدة" أصبحت تسمى "توليد وظائف"، هذا رسم ليس من الخيال بل من خيال الروايات الأسطورية.

لم تكن تعلم ماكينزي أن تقرير وزارة العمل يوضح أن لدينا 8.2 ملايين عامل غير سعودي وليس 6 ملايين كما تذكر مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، والفرق كبير جدا ولا يمكن أن يكون هامشيا؛ ولم تكن تعلم أن نصف الـ1.7 مليون موظف سعودي والذين تم توظيفهم خلال 10 سنوات هي وظائف وهمية وتصرف الحكومة نصف رواتبهم وتدعم بقاءهم في العمل، وتدعم الحكومة أيضا الشركات التي تحافظ على بقائهم في وظائفهم، وأننا نتوقع تسريحهم في أي لحظة، ولذلك أوجدنا نظام "ساند" الذي يستقطع من رواتب الذين يعملون ليسعف به من يتم تسريحهم حتى يجدوا وظائف أخرى.

لم تذكر ماكينزي "حافز" المليونين ولا الضمان الاجتماعي ذي الثلاثة ملايين فرد، لعله سقط سهوا.

أيضا، تحول البلد من مستهلك إلى منتج دون استثمارات عالية في البحوث والتطوير، والدراسات بالتأكيد سقط سهوا.

أويعقل أن تتوقع ماكينزي أن القطاع الخاص سيستثمر سنويا أكثر من ميزانية الحكومة السعودية في أفضل سنواتها؟ وأن يتكرر هذا لمدة 15 سنة؟ يا ماكينزي، كيف بالقطاع الخاص الذي يعيش على الدعم الحكومي أن يتحول إلى داعم للحكومة بأكثر مما يملك بعشرات المرات وهو بالأساس لا يستثمر حتى 5 %، وكيف افترضتم أن تكون أهداف القطاع الخاص توليد الوظائف وخفض الواردات وتنويع مصادر الدخل، وليس "الربحية القصوى"، وكيف افترضتم استثمارهم في أعمال عالية المخاطر؟

هناك المزيد للتحدث عنه، ولا أعتقد أنه يستدعي ذلك، ولكن سنكتفي ونختم بأن ماكينزي استدلت بأن حجم اقتصاد المملكة الحالي أكثر من مثيليه في سويسرا والسويد، ومعدل دخل الفرد أقل قليلا من مثيله الكوري وأكثر من مثيله البرتغالي، واستدلت ماكينزي أيضا بتفاؤل تطوير التصنيع في المملكة وضربت مثالا بمصنع سيارات إيسوزو بالدمام، ولم تكن تعلم أن المصنع ينتج فقط 49 سيارة يوميا ويواجه صعوبة في منافسة المستورد وصعوبة في تسويقها، ولم تقارنه بتايلند التي تنتج 7400 سيارة يوميا، ولم تقارن صادرات تايلند غير النفطية التي تفوق صادرات المملكة النفطية بـ50 %. 

شكرًا ماكينزي على الأقل لتأييدنا بأن الموقف أصعب من أن يوصف، وشكرا لتأييدنا بأنه لا يمكن العلاج بوجود أشخاص وآليات صنعت المشكلة.

نقلا عن الوطن