منذ تأسيس «أوبك» في بغداد عام 1960، تواجه المنظمة تحديات. فخلال السنين الـ 55 الماضية، استطاعت تنسيق السياسات والمصالح النفطية للدول الأعضاء، ما ساعد في رفع سعر النفط في أوائل السبعينات من مستوى دولار للبرميل الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتواجه المنظمة حالياً تحديات أخرى، خصوصاً المنافسة على الحصص في الأسواق العالمية مع النفوط غير التقليدية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في هيكلية صناعة النفط العالمية.
لذلك قررت المنظمة الأسبوع الماضي، تأجيل اتخاذ القرارات الصعبة للمرة الثالثة على التوالي، في ظل أسواق مضطربة، يسودها ارتفاع في المخزون النفطي التجاري، وانخفاض في النمو الصيني، وتحديات النفط الصخري والرملي، ومنافسة الدول المصدرة الكبرى غير الأعضاء في المنظمة (روسيا والولايات المتحدة) على حصص المنظمة في الأسواق العالمية على رغم ارتفاع تكاليف إنتاجها مقارنة بدول المنظمة، والخلافات الداخلية بين دول المنظمة نفسها خصوصاً حول تبني نظام جديد للحصص، وبروز الخلافات التقليدية بين المجموعات المختلفة ضمن المنظمة، والخلافات السياسية بين بعض الدول الأعضاء.
عُقِد الاجتماع الوزاري للمنظمة في ظل ترقب عودة الصادرات النفطية الإيرانية إلى طبيعتها خلال النصف الأول من 2016.
وهذا سيعني زيادة الصادرات الإيرانية بنحو نصف مليون برميل يومياً، لتتراوح مجمل الصادرات الإيرانية حول مليوني برميل يومياً.
هذه طبعاً أرقام تقديرية، تعتمد على إمكانية زيادة إيران إنتاجها وصادراتها بالسرعة اللازمة خلال النصف الأول من 2016. وستواجه إيران صعوبات واجهت الدول النفطية الأخرى التي استطاعت التخلص من العقوبات.
فعودة الحقول إلى مستويات إنتاجها القصوى لا تحصل بسهولة، وعلى رغم أن المفاوضات مستمرة بين إيران والشركات الدولية منذ فترة، تشير التجارب إلى إمكانية بروز عراقيل وحصول تأخير إلى أن تستطيع الشركات أداء عملها بأنجع الطرق.
ويصح الأمر نفسه بالنسبة إلى الصادرات، فستواجه إيران تخمة عالية جداً في الأسواق، الأمر الذي قد يدفعها إلى تقديم حسوم سعرية.
لذلك فإن أحد أسباب تأجيل المنظمة اتخاذ قرارات حاسمة، هو التعرف إلى معدلات الإنتاج الإيرانية الفعلية.
وهذا الأمر له أبعاد أخرى. فهناك منافسة تاريخية بين العراق وإيران حول موضوع حصة كل منهما.
والعراق يحاول جاهداً تثبيت إنتاجه في المدى القريب عند أربعة ملايين برميل يومياً، وهذا ما ستحاول إيران أن تفعله أيضاً، ليحصل البلدان على الحصة نفسها، أو على الأقل لئلا يحصل العراق على حصة أكبر من حصة إيران، علماً بأن العراق ينتج 3.8 مليون برميل يومياً، ويخطط لزيادة الإنتاج بنحو 200 ألف برميل يومياً إضافية خلال 2016.
الخلاف الثاني في المنظمة يعود إلى سبب هيكلي مزمن، رافق نمو المنظمة منذ تأسيسها.
فالدول ذات الاحتياطات النفطية العالية، أي السعودية والإمارات والعراق وفنزويلا وإيران، تبنى بعضها سياسة إطالة عصر النفط لأطول فترة ممكنة.
وكان يُفترَض أن تتبنى الدول الأخرى في المجموعة السياسة نفسها للدفاع عن ثرواتها الوطنية.
لكن الخلافات السياسية أدت إلى نشوب صراعات في ما بين أعضاء هذه المجموعة.
وهناك مجموعة الدول ذات الاحتياطات المتوسطة أو القليلة.
فمصلحة هذه الدول تتمثل في زيادة الأسعار، أما الحفاظ على استمرار عصر النفط فهو أمر ثانوي لها.
وتنشب الخلافات دائماً بين المجموعتين بسبب الفارق في أولوياتهما. وبرزت أخيراً مجموعة ثالثة، تشمل دولاً مأزومة اقتصادياً، وتشمل العراق وليبيا وفنزويلا.
وبرزت مجموعة رابعة هي الدول النفطية ذات الاحتياطات الغازية العالية، التي تحاول إعطاء دور مستقبلي أهم للغاز كمصدر نظيف للطاقة.
وتؤدي هذه المجموعات أدواراً مختلفة أثناء الاجتماعات الوزارية.
فهناك مصالح مشتركة في بعض الأمور، ومصالح مختلفة في أمور كثيرة.
لكن الخلافات لا تنحصر بين مجموعة وأخرى فقط، بل تتعدد وتتضارب المصالح والمواقف حتى بين أعضاء المجموعة الواحدة.
وطرأ أخيراً تغير مهم في صناعة النفط العالمية إذ أخذت المنافسة بين الدول المنتجة للنفوط غير التقليدية ذات التكاليف العالية، وهي دول غير أعضاء في «أوبك»، تهدد حصص دول المنظمة.
فتكلفة الإنتاج للبرميل في بعض دول المنظمة تتراوح بين ثمانية دولارات للبرميل في الكويت و11 دولاراً في العراق، مقارنة بأكثر من 30 دولاراً في الدول المنتجة للنفوط غير التقليدية.
ونما شعور قوي لدى الدول المنتجة الكبرى في «أوبك» بأن ليس من مصلحتها ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية جداً، لئلا تستفيد الدول ذات تكاليف الإنتاج العالية فتزيد إنتاجها ومن ثم حصصها في الأسواق.
وتساوي حصة دول المنظمة في الأسواق حالياً أقل من 35 في المئة، مقارنة بثلثي الإنتاج العالمي سابقاً.
وهذا الحذر من الخسارة التقليدية للأسواق لمصلحة الدول ذات التكلفة الإنتاجية العالية هو التحدي المهيمن على المنظمة حالياً.
هل تستطيع «أوبك» مواجهة منافسيها من دول النفوط غير التقليدية أو الدول الكبرى غير الأعضاء من دون احتواء الخلافات الداخلية التي تعصف داخل المنظمة؟ هذا صعب للغاية في الأيام الصعبة نظراً إلى تعارض المصالح. هناك مصلحة واحدة يتفق عليها أعضاء «أوبك» وهي الحصول على أسعار مناسبة. لكن السؤال:
ما هو السعر المناسب؟ فإذا كان عالياً جداً، فهذا سيساعد الدول ذات تكاليف الإنتاج العالية.
أما إذا كان منخفضاً جداً (أقل من 40 دولاراً) كما هو الآن، فسيلحق الأذى بالدول النفطية ذات الاقتصادات الضعيفة، وهذا ما نشاهده فعلاً.
استطاعت المنظمة تجاوز صعوبات كثيرة في الماضي، ويُتوقَّع تجاوز الصعوبات الحالية.
لكن أهمية هذه المرحلة تكمن في أن التحديات الآن هيكلية تتطلب تغييرات في طريقة عمل المنظمة مع الدول المنتجة الأخرى، وفي أوضاع سياسية صعبة ومتداخلة.
نقلا عن الحياة