اقتضت حكمة الخالق جلّ شأنه أن استقرار الحال ودوام الأحوال من المحال، وأكَّدت على ذلك السنن الكونية. ولا شك أن الاقتصاد والحركة الاقتصادية جزء لا يتجزأ من هذا الكون المتغير.
مرت بالعالم أحداث ودروس اقتصادية كبيرة تمثل بعضها في كساد اقتصادي (depression) وتمثل الآخر في ركود اقتصادي (recession)، منها ما وقع في الأعوام 1929، 1945، 1967، 1973، 1983، 1990، 2008 …الخ.
والمهم في الموضوع أن أثر تلك الأحداث على الاقتصاديات اختلف من دولة لأخرى وفقًا لطبيعة الاحتياطات وردود الأفعال التي اتخذتها دول العالم المختلفة.
سبق وأن طرحت عدة مقالات (كان من بينها ما نشر بجريدة الجزيرة بتواريخ: 13-2-2014، 1-5-2014، 19-6-2014، 4-12-2014، 1-1-2015 وغيرها) اذكر فيها القراء والمسؤولين التنفيذيين بضرورة أخذ العدة والعتاد لتحديات اقتصادية مستقبلية قد تواجهها الاقتصاديات الريعية وأحادية الدخل، خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على العوائد النفطية غير المستقرة.
وأن الأمر يتطلب إعادة هيكلة المسار الاقتصادي وترشيد الإنفاق في تنفيذ وتشغيل المشروعات، والتركيز على الاقتصاد الإنتاجي بدلاً من الاستهلاكي. وفي خطة يوسف عليه السلام لأهل مصر دروس عملية في هذا السياق.
خاصة في ظل تشابه الاقتصادين من حيث أحادية المصدر فمصر آنذاك كانت تعتمد بشكل شبه كلي على مصدر اقتصادي واحد وهو الزراعة، خاصة زراعة الشعير والذرة وبالتالي أرشدهم يوسف عليه السلام بترشيد الاستهلاك تحسبًا للسنين السبع العجاف.
المتتبع للتطورات السياسية والاقتصادية على الساحة العالمية والإقليمية، يدرك وقوع ما كان الفقير إلى ربه يحذر منه منذ مدة طويلة.
فالواقع يؤكد أن العالم بوجه عام ودول الخليج على وجه الخصوص تعيش فترة اقتصاد مليئة بالتحديات تتطلب أخذ العدة والحذر والعمل بمفاهيم وآليات تختلف عن تلك التي عبرنا بها العقد الأول من هذا القرن.
الأمر الذي يقودني إلى التذكير بأن إعادة النظر في إدارة مواردنا الطبيعية المحدودة وفي وإدارة المالية العامة أصبح ضرورة لا خيارًا.
وفي ضوء هذه التحديات فقد يكون من المناسب اتخاذ الخطوات التالية:
1. إعادة النظر في آلية إعداد وإدارة الميزانية العامة للدولة، بما في ذلك آلية تخصيص الاعتمادات اللازمة للبرامج والمشروعات وإقرار الأولويات بين القطاعات المختلفة وداخل كل قطاع.
2. زيادة الاستثمار في القطاع الإنتاجي الصناعي والخدمي بهدف خلق فرص عمل للداخلين الجدد لسوق العمل ودعم الصادرات وتأصيل التنمية المستدامة.
3. إعادة النظر في إدارة وتنفيذ الخدمات والمشروعات العامة بما يكفل ترشيد الإنفاق وجودة المخرجات.
4. وضع آلية تكفل تحقيق المستهدف من المشروعات والبرامج بالجودة والوقت والتكلفة المناسبة.
5. وضع آلية عملية لمتابعة التنفيذ وتقييم الأداء ومقارنة المنجز بالمستهدف.
6. صياغة معايير علمية عملية قابلة للتطبيق لتقييم الأداء الإداري والاقتصادي للأجهزة التنفيذية.
اعترف للقارئ الكريم بأنني لم أت بجديد عمّا طرحته في مقالاتي السابقة في هذا الصدد ولكن ما يقودني إلى التفاؤل هو الحركة الدؤوبة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي آمل أن ينظر بعين الاعتبار للتطورات الاقتصادية على الساحة المحلية والإقليمية والدولية والعمل على إعادة هيكلة برامج التنمية الاقتصادية والمالية بما ينسجم وتلك المستجدات ويستجيب لتحديات الفترة.
لعلنا بذلك نحول التحديات إلى فرص والله الهادي إلى سواء السبيل..
نقلا عن الجزيرة