الأثر الاقتصادي للشركات العائلية: هات وهات أم خذ وهات؟!

24/11/2015 1
د. إحسان بوحليقة

تمثل الشركات العائلية «مشاريع للحياة وللأجيال»، تجمع بين: أنشطة تطوير المشاريع سعياً للربح، وبين قيم الأسرة كلبنة تلتقي مع المجتمع في قيمٍ وعلاقات متينة.

ولعل كثيرا منا لا يعلم أن ثمة كيانات اقتصادية عائلية استمرت قروناً من الزمن، فأقدم الشركات العائلية هي «كونجو جمي» تأسست عام 578، تليها شركة «ريوكان هوشي» نشأت في العام 718، وتحل في المركز الثالث الشركة الفرنسية «جولين شاتو» قامت في العام 1000 ميلادية، وفي المركز الرابع الشركة الإيطالية «فونديرا مارينيللي» التي تأسست في العام 1000 كذلك.

تحقق الشركات العائلية استدامة وأثراً اقتصادياً إيجابياً ملموساً عندما تنجح في المواءمة بين أمرين: النجاح المالي بما يمكنها من الاستدامة الاقتصادية، والتمسك الأخلاقي بالقيم كالثقة والالتزام واستمرار الصلات والحرص على حسن السمعة بما يحافظ على علاقاتها المتينة مع المجتمع الذي تنتمي له العائلة.

وليس من شك أن المحرك الأهم للاقتصاد العالمي هو «العائلة»، إذ تقدر مساهمة الشركات العائلية بنحو 70-90 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم، وتشكل الشركات العائلية نحو 60 بالمائة من عدد الشركات الأوروبية.

وقد بينت الأدبيات أهمية «الرأسمالية العائلية» كأداة اقتصادية كفؤة منذ القدم، حتى في حقبة الثورة الصناعية وما تلاها، كما أن الملكية العائلية نَشطة في الدول النامية والمتقدمة على حدٍ سواء، رغم أن هناك من كان يعتقد أن «الرأسمالية العائلية» ذات صلة في البداية عند نشوء المشروع الاقتصادي، وأن صلتها تقتصر على الأنشطة الاقتصادية التقليدية التي تعتمد على كثافة اليد العاملة.

لكن الوقائع تثبت أن الرأسمالية العائلية شملت كل الأنشطة الاقتصادية دونما استثناء، بما في ذلك أنشطة الخدمات والتقنية. كل ذلك مكن الشركات العائلية أن تصبح محرك اقتصادات الدول الصناعية والنامية وحتى الأقل نمواً، فهي تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتؤثر في روح المبادرة، وتولّد فرص عمل رئيسية.

وتجددت الحاجة عقب الأزمة المالية العالمية الأخيرة لأنماط جديدة، لا تتعلق فقط باقتصادات السوق، بل ترتكز على أهمية التضامن والتنظيم الذاتي، وتتمحور حول السلوكيات الأخلاقية. ولعل «الرأسمالية العائلية» تحقق ذلك وتمثل بديلاً ملائماً ومجرباً؛ باعتبار انها كانت دائما واعية للناحية الإنسانية. يضاف لذلك، أهمية قيامها على أساس مشاركة دون محسوبية واقصاء، والنأي عن الجمود والتكلس.

وفي وقتنا الراهن، فالمطلب الأساس من الشركات العائلية ما برح أن تستمر لما بعد المؤسسين، دونما تغييب للقيم ولا تضييع للثروة بين الأجيال المتعاقبة، وأن تحقق مفهوم «الأسرة المستدامة»، فهي تحقق أنماطا متجددة بوسعها التعايش مع تحديات العولمة والانفتاح والشفافية والمساءلة، كون الشركات العائلية تقوم أساساً على التعاون وتوظيف صلات القرابة وما يصاحبها من الشعور بالانتماء، والاستمرارية الاجتماعية والاقتصادية على مر الزمن.

أما الحديث عن القطاع الخاص في منطقتنا (منطقة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إجمالاً، ومنها المملكة العربية السعودية) فينساق للشركات العائلية، إذ يوجد ما يبرر الزعم أن المنشآت العائلية السعودية هي تحور لصنف جديد من الرأسمالية؛ التي تسيطر على أنشطة اقتصادية برمتها أو تفريعات منها.

وأن الرأسمالية العائلية تتكتل ضمن علاقات الصداقة والدم والمصاهرة لتنطلق إلى الاندماج والاستحواذ، بل وحتى إلى الأنشطة الوليدة مثل الريادة وصناديق رأسمال الجريء، بما يشكل سياجاً فاصلاً.

ولننظر حولنا، ولتكن البداية في الشركات المدرجة في سوقنا المالية: هناك شركات مدرجة تسمت باسم العائلة المؤسسة علناً، وهناك شركات (ولا أستثني البنوك) تسمت باسم العوائل سيطرةً وجوهراً.

والأمثلة أكثر من أن تعدد، وأتجنب ذكرها حتى لا يظن أحد أنني أتناول أحداً بشخصه أو عائلته فللجميع احترامي وتقديري الشخصي واعتزازي بما أنجزوا، لكننا هنا نناقش الموضوع وليس الشخوص.

ولعل من الملائم طرح سؤال: ما الرأسمالية؟ هي قواعد توظيف الموارد وتسعيرها تسعيراً مرنا. والسيطرة من قبل عدد محدود من العوائل يجعل نشاط الرأسمالية محتكراً من قبل قلة. والنقطة هنا ليست فقط ثراءً وفقراً، بل استئثار وحرمان، ومن علامات ذلك بطالة الأفراد وافلاس المنشآت.

ولذا، نجد أن تركز الملكية الاقتصادية أمر تحاربه القوانين، باعتبار أن الرأسمالية بطبيعتها تضيق بالمنافسة وتعتبرها أذى!

وأعود لأقول إن النجاح ليس إشكالاً اقتصادياً ولا يجب أن يكون، أما الاستئثار بالسوق فيجب ألا يتاح لأحد، إذ إن الدخول فيها لبدء مشروع اقتصادي يجب أن يكون أمراً متاحاً للجميع، فتلك هي الضمانة الوحيدة لتحقيق وتكافؤ الفرص والمنافسة، والتي هي بدورها ضمانة لأفضل سعر وخدمة للمستهلكين.

ما الهدف من استمرار الشركة العائلية لأجيال متعاقبة؟ تحديداً، ما هدف المؤسس؟ هل هو جمع المال وتكديس الفرص؟!

أم إيجاد صيغة متوازنة تجمع بين ترك أثر طيب ونافع للمجتمع، وتحقيق نجاح اقتصادي في آنٍ معاً؟ الأمر الملفت إهمال العديد من الأسر التجارية الرئيسية تأسيس كيانات اجتماعية للعائلة، رغم أن تلك الكيانات هي الصائن والحامي من تحول الكيان التجاري للعائلة إلى آلة مجردة من أية «أحاسيس» تجاه مجتمعها وقيمها ما عدا تعظيم الأرباح.

فالمؤسسات الاجتماعية العائلية (family foundation)، ضرورية لمواجهة التناقض بين موقف الأسرة ككائن اجتماعي، وبين الشركة العائلية ككيان ساع للربح.

في هذا السياق، تفترض المؤسسات الاجتماعية العائلية دور الميسر لتطور مشترك وحل تنظيمي مناسب لدعم عملية تطور متوازن وفق خطوط عريضة مُحَددة لمسار الشركة العائلية، إن رغبت تلك الشركات أن تحافظ على سمتها العائلية، فالمؤسسات الاجتماعية العائلية هي «مراكز الثقة» لعلاقة الأسرة التجارية بمحيطها الاجتماعي والقيمي.

نقلا عن اليوم