تغير احتياطيات العالم النفطية وأثره على الأسعار

24/11/2015 3
د. سليمان الخطاف

تتأثر أسعار النفط بالعرض والطلب ومدى توفره أو بمعنى آخر مدى حجم الاحتياطيات العالمية بالاضافة إلى الأوضاع الجيوسياسية في أماكن الانتاج أو طرق التصدير.

ولقد شهد العالم انخفاضاً حاداً وطويلاً وغير متوقع لأسعار النفط بحوالي 50% في عام.

وبدأت آثار هذا التدهور الكبير تلقي بظلالها على شريحة كبيرة من العاملين بقطاع الطاقة العالمي.

فلقد أعلنت قبل أيام الشركات العالمية للبترول نتائجها للربع الثالث وكانت بعضها كارثية مثل شركة شل حيث أثر انخفاض أسعار النفط والغاز على ادائها بشكل كبير.

واما الدول المصدرة للنفط مثل دول اوبك وروسيا وكندا فهي ايضاً تعاني من انخفاض الأسعار الذي تعتمد عليه ميزانياتها بشكل رئيس.

ولكن ما هي أسباب هذا الانهيار بأسعار النفط من مستوى 100 دولار للبرميل الى حوالي 45 دولارا؟.

بحسب تقرير بريتش بتروليوم الاحصائي فان الاحتياطي العالمي المؤكد للنفط التقليدي وصل في العام الماضي الى حوالي 1700 مليار برميل. ولقد انتج العالم في ذلك العام حوالي 32 مليار برميل.

وبذلك تصبح نسبة احتياطيات العالم من النفط على انتاجه في العام الماضي حوالي 53.

أو بمعنى آخر أن العمر الافتراضي للاحتياطيات العالمية من النفط التقليدي تكفي استهلاك العالم لمدة 53 سنة اذا استمر الانتاج بواقع 89 مليون برميل باليوم.

الغريب في الأمر انه في عام 1994م ذكرت بريتش بتروليوم في تقريرها السنوي ان احتياطيات العالم من النفط تساوي 1118 مليار برميل وكان انتاج العالم آنذاك حوالي 67 مليون برميل باليوم.

وهذا يعني ان معدل الاحتياطيات بالنسبة للانتاج بحسب معلومات وأرقام عام 1994م كانت حوالي 46 أي انها كانت تكفي لحوالي 46 سنة.

وكانت أسعار النفط آنذاك وبحساب التضخم للدولار تقارب 30 دولارا للبرميل. وبعد عشرين عاما استهلك فيها العالم حوالي 600 مليار برميل تغيرت احوال صناعة النفط كالتالي:

ارتفعت الاحتياطيات بحوالي 600 مليار برميل بالاضافة الى 600 مليار برميل تم استهلاكها لترتفع الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط من 1118 مليار برميل في عام 1994م الى 1700 مليار برميل في عام 2014م.

وأما الأسعار الحالية للنفط فهي تتأرجح ما بين 45-50 دولارا للبرميل. وهذا يعني ان النفط موجود بوفرة أكثر من الاعوام الماضية.

وأما بالنسبة لتجارة النفط واستهلاكه فتعتبر الصين واليابان وامريكا ودول الاتحاد الاوروبي أهم المستهلكين.

وباستثناء الصين التي تقود نمو الاقتصاد العالمي فان النمو على طلب النفط يكاد يكون بالسالب بهذه الدول الصناعية.

استطاعت الدول الرئيسية في الاتحاد الاوروبي ان تخفض استهلاكها اليومي للنفط ما بين 2004م و2014م بحوالي 2 مليون برميل باليوم.

واستطاعت اليابان أيضاً أن تخفض طلبها على النفط بحوالي مليون برميل باليوم لنفس الفترة. وحتى الولايات المتحدة خفضت استهلاكها بحوالي مليون برميل باليوم. وهذا يشير بجلاء الى انه وبينما ترتفع احتياطيات العالم من النفط (معظمها احتياطيات اوبك) تعمل الدول الصناعية الرئيسية بالعالم على خفض اعتمادها عليه.

ومن الأسباب الجوهرية لخفض الدول الصناعية من اعتمادها على النفط، فرض الرسوم الباهظة على المشتقات البترولية من ديزل وجازولين الوقودين الرئيسيين لوسائل النقل.

فعلى سبيل المثال بلغ سعر لتر النفط في النصف الاول من العام الماضي حوالي 0.6 دولار (سعر برميل النفط حوالى 100 دولار) وبلغت تكلفة تكرير وتسويق وقود السيارات مع الربح للشركات حوالي 0.35 دولار للتر.

وبذلك يصبح السعر المعقول للتر ديزل او جازولين حوالي دولار.

بينما بلغ سعر لتر الديزل في بريطانيا وايطاليا والمانيا وفرنسا لنفس الفترة من العام الماضي حوالي 2 دولار وهذا يعني ان الضرائب اكثر من اجمالي التكلفة التي تقدر بأقل من دولار للتر.

بلاشك سيحاول الافراد في هذه الدول الاستغناء التدريجي عن النفط وذلك للارتفاع الباهظ بالاسعار.

وبذلك اجبرت الحكومات الغربية مواطنيها على استخدام وسائل النقل الجماعي مثل القطارات التي تأخذ معظم طاقتها من الكهرباء الناتجة من المحطات النووية والطاقة البديلة عن النفط.

وأما بالنسبة لنمو مصادر الطاقة الاخرى وتنافسها مع النفط على حصة أكبر من خليط الطاقة العالمي، فيتوقع ان يفقد النفط المركز الاول كمصدر للطاقة بعد 2020م.

وأما بحلول 2040م فستصبح نسبة النفط في مصادر الطاقة العالمية وبحسب مصادر اوبك حوالي 24.3% ليصبح في المرتبة الثالثة بعد الفحم والغاز.

ربما يعود تراجع أسعار النفط لعدة أسباب أهمها الارتفاع الكبير بالاحتياطيات وبالانتاج حتى أصبح الانتاج يفوق الطلب الذي لم ينم كثيراً بسبب بطء نمو الاقتصاد في الدول الصناعية.

ارتفعت الاحتياطيات العالمية من النفط باكثر من اي وقت مضى بسبب التقدم التقني بعمليات الاستكشاف والتنقيب والدقة في حساب الاحتياطيات المؤكدة، بالاضافة الى التقدم العلمي بتعزيز كفاءة الاستخراج.

فعلى سبيل المثال تستطيع شركات النفط اليوم استخراج النفط من اماكن في اعماق المحيطات لم تكن تقدر عليها قبل 40 سنة.

ومما زاد الطين بلة تقدم التقنيات والاقتصاديات التي تدعم استغلال الزيت الصخري، والمقلق أن هذا المصدر الجديد للنفط موجود بكثرة بأكبر دولتين استهلاكاً واستيراداً للنفط (امريكا والصين).

وفي الختام مادامت الاحتياطيات النفطية بالعالم قد ارتفعت الى اعلى معدل لها في التاريخ ومادامت طرق الاستخراج ذات الكفاءة العالية قد عززت كثيراً من الكميات المستخرجة من النفط حتى من الاماكن الصعبة، ومادام اعتماد الدول الرئيسية ذات الثقل في الاقتصاد العالمي قد انخفض على النفط، فلماذا ارتفعت اسعار النفط الى مستوياته التاريخية في الاعوام 2011-2014م؟.

بحسب التقارير العالمية الموثوقة ارتفعت الاحتياطيات العالمية بشكل كبير ما بين عامي 2005م و2010م بسبب ارتفاع الاحتياطيات الفنزويلية من النفط الثقيل بحوالي 220 مليار برميل.

وتنتج فنزويلا نفس الكمية من النفط ولم تتغير بالرغم من امتلاكها اكبر احتياطي للنفط بل على العكس انخفض انتاجها بحوالي نصف مليون برميل باليوم.

وهنا لنا ان نتساءل ما مدى مصداقية هذه الارقام التي لا تتفق مع الواقع؟

نقلا عن اليوم