الباب الرابع..الباب الغامض

22/11/2015 1
د. إحسان بوحليقة

شهدت مخصصات المشاريع في الميزانية العامة للدولة، منذ العام 2000 تصاعداً مستمراً، ليكسر كل عام الرقم القياسي الذي رصد للباب الرابع (مخصصات المشاريع) في العام الذي سبق، وقد جعل ذلك مدننا وبلداتنا ورش عمل مكتظة بالمشروعات.

وقد شهد هذا الباب زيادة مطردة في مخصصاته، وعند استعراض الفترة من العام 2009 وحتى 2014، نجد أن ما خصص فعلياً لبند المشاريع تضاعف من 180 مليار ريال في العام 2009 إلى 370 مليار في العام 2014، وذلك وفقاً للإحصاءات الرسمية.

وليس واضحاً وضع المشاريع التي خُصصت لها هذه المبالغ الكبيرة؛ من حيث الموقع وحالة التنفيذ، رغم أن هذه المشاريع ما يعول عليه لتعميم التنمية وزيادة سعة الاقتصاد السعودي.

هذا من الناحية المعلوماتية الصرفة، ويتوجب كذلك إعداد دراسة تحليلية حول تحقيق المشاريع الهدف منها، أي كفاءتها في تعزيز ونشر التنمية نشراً متوازناً في أرجاء المملكة وكذلك المساهمة في زيادة السعة وتحسين تنافسية الاستثمار على أرض الواقع. شيء من هذا لا يوجد، على الرغم من بدائية وبساطة المطلب.

في كل نهاية عام تصدر الميزانية العامة للدولة، تكتفي ببيان ما سَيُنفق، دون تسطير إيضاحات عما تحقق من تنفيذٍ للمشاريع الرأسمالية، إذ إن تلك المشاريع هي العنصر المأمول لإحداث تغيير إيجابي اجتماعياً واقتصادياً، فهو يعني مدارس ومستشفيات ومراكز رعاية أولية وشوارع وسدودا وأنفاقا، ضمن أمور أخرى.

وليس واضحاً سبب عدم الاهتمام رسمياً بإلقاء الضوء على نتائج الانفاق الرأسمالي للمشاريع التي تمولها الخزانة العامة، ليس إيضاحاً عاماً مقتضباً بل إيضاحاً معلوماتياً وتحليلاً منهجياً على مستوى المشروع وربطه بالتنمية بكل محافظة ومنطقة ومن ثمة بالمملكة ككل.

وعند النظر إلى ما رُصد فقط خلال الفترة التي أشرت لها، نجد الأمر يصل لرقم فلكي، نحو 1.6 ترليون ريال.

والنقطة المثارة أعلاه محل اهتمام لذاتها ولما يتكرر من حديث عن عدم انجاز المشاريع في وقتها أو عدم تحقيقها المستهدف منها.

فقد أعادت فيضانات جدة في الأسبوع المنصرم للواجهة موضوع عدم تنفيذ المشاريع، لا سيما أن الميزانية العامة للدولة عجت بمشاريع «تصريف الأمطار ودرء السيول» على مدى سنوات متواصلة، وبمخصصات مليارية، دون أن نَعرف ما مصير المشاريع من حيث التنفيذ، فلم لا يظهر متحدث رسمي مختص على وسائل الاعلام وينورنا: هل نفذت المشاريع أم لم تنفذ؟!

ولماذا فاضت شوارع جدة، عروس البحر الأحمر، وعاصمتنا التجارية؟! وفي هذا السياق، من ملائم التذكير أن ما رصد في الميزانية العامة لبند "تصريف الأمطار ودرء السيول" تحديداً: 38.2 مليار ريال في ميزانية 2013، وذات المبلغ في العام المالي 2014، تراجع إلى 30 مليار في العام المالي 2015.

بل إن قصاصة صحفية يعود تاريخها للعام 1400 انتشر تداولها إبان فيضانات جدة في الأسبوع الماضي، تقول إن مشاريع تصريف الأمطار ودرء السيول في جدة تحت التنفيذ. إن صدقت تلك القصاصة فنحن نتحدث عن مشاريع استمرت عقوداً، ونتيجتها كما نرى ونسمع! وعليه، فالتتبع والافصاح والايضاح عن حالة المشاريع أساسيٌ.

الآن، السؤال البسيط الذي لم يحظ بإجابة حتى الآن: تحديداً، ما المشاريع الرأسمالية التي تمولها الخزانة العامة، ولا سيما المتأخرة والمتعثرة؟

ولم لا تصدر وزارة المالية جردة حساب كاملة بتفاصيل المشاريع التي أنجزت (مشروعاً مشروعاً) منذ العام 2000 حتى الآن، وحالة كل مشروع فيما يتصل بوقت الانجاز والتكلفة، وبالإضافة لذلك الاجراءات التي اتخذت لتحريك كل مشروع متأخر أو متعثر؟

هذا ملف ليس بوسعنا إلا فتحه ودراسته وتحليله وتقليبه وتحريكه وإنجازه، فهو منصة الانطلاق بالتنمية الحضرية والاجتماعية والاقتصادية، كما أنه الرهان لزيادة سعة الاقتصاد السعودي للنمو وللارتقاء بجاذبية وتنافسية الاستثمار فيه، ولذا، فإن الإجابة عن السؤال البسيط أمرٌ مؤثر في التنمية والنمو، فمردود تلك المشاريع على التنمية يتأثر سلباً بالتأخر والتعثر.

ومحل التساؤل أن الحديث عن تلك المشاريع هو بصورة أقرب للقيل والقال؛ فليس واضحاً ما أوضاعها بالدقة، نتيجة للشح غير المبرر في المعلومات حولها. ويمكن الجزم أن عدم الافصاح والايضاح والشفافية حول أوضاع المشاريع التنموية يغذي القيل والقال، مما لا يخدم مصلحة البلد.

وبما أن المشاريع قد أسندت وفق نظام المشتريات الحكومية، فلم لا تكون خطة تنفيذ المشروع شفافة متاحة للجميع للاطلاع عليها؟

الأسئلة كثيرة فهل من مجيب؟ ولحين تلقي إجابة عن الأسئلة المزمنة، يمكن تسلية الذات بالقول إن التعرف على الأسباب الجذرية للتعثر والتأخر هو ما سيرشدنا لإيجاد الحلول الناجعة، ولذا، فالشفافية والافصاح عن أوضاع المشاريع شرط ضروري لكنه ليس كافيا، إذ لا بد بعد إتاحة البيانات من تحليل مسارات تنفيذ المشاريع؛ للوصول إلى حقيقة المعوقات.

كل هذا ضروري لا فكاك منه، والسبب أن التنمية في مملكتنا تمرّ بمرحلة حاسمة توفرت فيها الإيرادات، لكن يبدو أن بقية الموارد لم تتوفر، كما أن الارتقاء بتنافسية الاقتصاد السعودي وتحسين مستوى دخل ومعيشة المواطن لا تدع واسع مجالٍ سوى للإصرار على تحقيق نتائج، وتنفيذ خطط التنمية وإنجاز البرامج التشغيلية للميزانيات.

نقلا عن اليوم