البيع على المكشوف يعزز تطور أسواق الأسهم الخليجية

18/11/2015 0
محمد الهاشمي

تحتاج الجهات الرقابية لأسواق الأسهم في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي إلى التفكير بجدية بموضوع السماح بممارسة البيع على المكشوف محلياً.

فعلى الرغم من المخاوف من أن يؤدي إلى تفاقم تراجعات أسعار الأسهم، إلا أن البيع على المكشوف له فوائد عديدة ومن أبرزها بناء ثقة طويلة الأجل بالأسواق من خلال زيادة أحجام التداول وتوفير خيارات أوسع للمستثمرين. 

ويلعب البيع على المكشوف دوراً هاماً في أسواق المال المتقدمة، ويوفر فرصة للمستثمرين لتحقيق مكاسب في السوق خلال فترات الهبوط، حيث يقوم المستثمر باقتراض الورقة المالية وبيعها ومن ثم إعادة شرائها بسعر أقل.

ومن فوائد هذه الممارسة أنها تعزز كفاءة عملية اكتشاف الأسعار العادلة للأسهم، كما تسهم في زيادة سيولة السوق، وتخفيف حدة تقلباته، عدا عن كونها توفر للمستثمرين مجموعة من الأدوات اللازمة لإدارة المخاطر.

ومع ذلك، تتردد دول مجلس التعاون الخليجي في ممارسة هذا النشاط انطلاقاً من تخوفها من أن يسهم البيع على المكشوف في تسريع وتيرة هبوط الأسواق أو زيادة حدتها.

وترى أن السيولة المنخفضة نسبياً، والعمق والاتساع المحدودين لأسواق المنطقة، تجعل عملية البيع على المكشوف أمراً غير مناسب حالياً. 

ولكن مع ترقية سوقي الإمارات وقطر إلى مرتبة الأسوق الناشئة على مؤشر "إم إس سي آي"، وفتح السوق السعودية أمام المزيد من المستثمرين الأجانب، تواصل أسواق المنطقة استقطاب قاعدة مستثمرين عالميين أكثر خبرة وحنكة.

ومن المرجح أن تصاب مجموعة المستثمرين هذه بالإحباط على المدى الطويل ما لم يتم توفير الأدوات الاستثمارية نفسها المتاحة لهم في أسواق أخرى.

وتمثل القدرة على البيع على المكشوف شكلاً من أشكال التأمين للمستثمرين، لحمايتهم من الخسائر خلال فترات الانخفاضات.

ونظراً لكونه يتيح للمستثمرين إمكانية تحقيق المكاسب، حتى لو كان سعر أحد الأسهم أعلى من قيمته العادلة، فثمة محفز قوي يدفعهم لتكريس المزيد من الوقت والجهد والموارد للبحث عميقاً في أساسيات الشركات واكتشاف القيم العادلة لأسهمها.

ومن شأن زيادة مستوى الشفافية تحديد أسعار الأسهم بشكل أكثر دقة، والتخفيف من فقاعات الأسعار وتوفير وسيلة فعالة للجهات الرقابية لمساعدتهم على توقع الاضطرابات في الأسواق قبل حدوثها. 

وعلى مدى العقد الماضي، أظهرت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي مستويات متفاوتة من الحماس تجاه عملية تنظيم البيع على المكشوف.

وقد حققت الكويت، أقدم سوق للأسهم في المنطقة، التقدم الأكبر في هذا المجال من خلال إدخال قوانين في عام 2005، تسمح بممارسة هذا النشاط، إلى جانب تداول العقود الآجلة، والمستقبلية ومنتجات الخيارات.

وفي عام 2012، حذت هيئة الأوراق المالية والسلع في دولة الإمارات العربية المتحدة حذوها من خلال السماح بإقراض الأسهم والبيع على المكشوف، ولكنها حصرت إمكانية اللجوء إلى هاتين الممارستين على صناع السوق المرخصين. 

وفي حين درست الحكومة القطرية وضع مسودة قواعد تنظم عمليات البيع على المكشوف، لم تخط سلطنة عمان والبحرين والمملكة العربية السعودية أي خطوات جادة على هذا الصعيد. وبالرغم من ذلك، شهدت هذه الدول العديد من حالات بيع على المكشوف غير منظمة لسنوات عديدة، من خلال آليات اصطناعية ومبهمة. 

ولطالما كانت الجهات الرقابية في دول مجلس التعاون الخليجي مترددة في السماح بعملية البيع على المكشوف والمنتجات المشتقة المرتبطة به وذلك بسبب مجموعة من العوامل، أبرزها الخوف من أن يتسبب في انخفاض أسعار الأسهم بشكل كبير.

والاعتقاد السائد هو أن البيع على المكشوف سيضر بالسوق وينظر إليه بنظرة سلبية من قبل المستثمرين الأفراد في السوق المحلية، والذين من غير المرجح أن يلجؤوا إليه كتكتيك لتحقيق الأرباح.

كما أنه من الممكن أن يُنظر إليه على أنه ممارسة قد تضر بالمصالح الوطنية في حال كانت الأسهم المتأثرة بالانخفاضات مملوكة جزئياً من قبل حكومات خليجية، كما هو الحال بالنسبة للعديد من المصارف وشركات الاتصالات وشركات التأمين والمطورين العقاريين في المنطقة. 

ومع ذلك، فليس هناك من دليل قوي على أن البيع على المكشوف يؤدي في الواقع إلى إحداث ضغط على الأسوق يدفعها للهبوط.

فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة معمقة أجراها البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك عام 2011، أن التراجعات التي شهدتها أسعار الأسهم خلال الأزمة المالية العالمية في 2009 لم يكن السبب وراءها هو البيع على المكشوف ولم يؤدي إلى تفاقمها.

وأن الحظر الذي أجرته العديد من الجهات الرقابية حول العالم لم يكن له تأثير يذكر لمنع الأسهم من الهبوط.

فضلاً عن ذلك، قد تنظر الجهات الرقابية إلى معاملات البيع على المكشوف على أنها مخالفة للشريعة الإسلامية، ويعزي ذلك إلى عدد من الأسباب والتي منها ارتفاع مستوى المخاطرة واحتمالية أن يشوبها شيء من المضاربة، بالإضافة إلى خطر إلحاق خسائر متوالية بالمستثمرين.

وقد يؤدي بيع سهم معين على المكشوف بطريقة غير صحيحة، إلى إعادة شراء السهم بسعر أعلى، بل وقد يقود الأمر إلى حد الإفلاس في بعض الأحيان. 

ومن حق الجهات الرقابية أن تدرس جيداً المميزات والعيوب في أي شكل جديد من أشكال التداول قبل أن تقوم بالسماح بها وطرحها في السوق.

وبالرغم من ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أن الأسواق الناشئة والمتطورة في جميع أنحاء العالم سبق وأن قدمت منتجات البيع على المكشوف ومنتجات مشتقة ذات صلة دون أن يؤدي ذلك إلى إلحاق خسائر كبرى بتلك الأسواق.

ويمكن أن يسهم تحسين كفاءة الأسواق ومستوى شفافيتها وتعزيز تدفقات السيولة النقدية على المدى الطويل، في استقطاب مزيد من المستثمرين من المؤسسات المحلية والدولية وتعزيز سهولة الحصول على رؤوس الأموال.