عُقِدت قمة دول العشرين G20 للاقتصاد العالمي هذا الأسبوع في أنطاليا -تركيا- بحضور رؤساء الدول، وترأس خادم الحرمين الشريفين وفد المملكة العربية السعودية، وقد ناقشت الدول أهم الملفات المتعلقة بالشأن الاقتصادي متضمنة ملفات الاستقرار الأمني والإرهاب والأوضاع السياسية والجيوسياسية واللاجئين والنمو الاقتصادي وتوليد الوظائف وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة وغيرها.
وتماشيا مع زيادة عدد السكان عالميا وبالدول العشرين على وجه التحديد والبالغ عددهم 66% من سكان العالم، استهدفت دول العشرين في اجتماعات سابقة زيادة حجم الاقتصاد للدول بـ 2 تريليون دولار قبل 2018 فوق حجم اقتصادها الحالي 62 تريليون دولار والبالغ 85% من اقتصاد العالم، وحددت النقاط الرئيسة والعوامل التي يجب أن تعمل عليها دول الأعضاء لتحقق هذه الزيادة من النمو الاقتصادي.
ولكي يتحقق هذا النمو، فقد عمدت جميع الدول على التركيز على توليد الوظائف وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة كأهم العوامل التي يمكن للدول من خلالها تطوير وزيادة حجم اقتصاداتها.
بدورها أنشأت المملكة "هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة" الشهر الماضي و"هيئة تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة" اللتين -بالإضافة إلى الأعمال الأخرى- تسهمان في تطوير اقتصاد المملكة والقضاء على البطالة، وتحظى هاتان الهيئتان باهتمام كبير من قبل مجلس الوزراء ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
سيكون دور المملكة في هذين الملفين المساهمة في تطوير التنمية في الجانب الذي يخص المملكة، وبلا شك فإن هذه المهمة ليست بالسهلة، فالتطلعات لمخرجات الهيئتين عالية لتسهما في تطوير الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل والمساهمة في إيرادات الدولة، وتوفير الوظائف المجدية ومنافسة الدول المتقدمة.
أيضاً، من أهم العناصر في تطوير الاقتصاد العالمي تطوير وظائف الكادر النسائي، فيجب على المملكة أن تعمل على هذا الملف بشكل كبير ودقيق فالمهمة صعبة من ناحية أن نسبة الوظائف النسائية في المملكة أقل من 18% من وظائف المواطنين، ومن ناحية أخرى صعوبة توفير وظائف مناسبة اجتماعيا للنساء.
علاج مشكلة "عدم توفير الوظائف المجدية" يجب أن يكون من خلال تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي لا يمكن تطويرها بمعزل عن: (١) تطوير المنشآت الكبيرة (٢) التأكد من نوعية أعمال المنشآت ومخرجاتها لتكون صناعات متقدمة أو خدمات متقدمة، فالأعمال لن تجدي ولن تسهم في تطوير الاقتصاد إن كانت غالبيتها منشآت صغيرة ومتوسطة في أعمال صناعة الطابوق والعمل في الأسواق والمطاعم.
أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة خير مثال لجدوى هذا القطاع، فـ99.7% من جميع الشركات في الولايات المتحدة من هذا القطاع، و97% من صادرات الولايات المتحدة أيضا من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وقيمة هذه الصادرات 435 مليار دولار (29% من قيمة الصادرات)، والمعروف أن صادرات أميركا ليست مواد بسيطة واستهلاكية وإنما صناعات وخدمات متقدمة.
أما بالنسبة لتوليد الوظائف المجدية، فاليابان خير مثال لخلق الفرص الوظيفية، فالمنشآت الصغيرة والمتوسطة توظف 84% من القوى العاملة باليابان، وهي أيضا تساند الصناعات المتقدمة والكبيرة.
تحضن المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة 39% من العلماء والمهندسين وتقنية المعلومات والتكنولوجيا وبقية التقنيين، وتبلغ حصة هذا القطاع من "براءة الاختراع لكل موظف" 14 ضعف العدد في الشركات الكبيرة والعملاقة، وهذا هو العضو الفعال في الابتكارات والاختراعات في الولايات المتحدة.
ويبقى العنصر الأهم لدخل الدولة وهو الضرائب، حيث إن أكثر من 89% من دخل الحكومة الفيدرالية الأميركية من الضرائب والبالغ قيمته 3 تريليونات دولار.
أخيرا، وبعد ذكر أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة للدول الأخرى، يجب بناء الاقتصاد التنموي المستدام في المملكة، الذي يخدم جميع الاستراتيجيات من ضمنها الوظائف المجدية والتنويع بعيدا عن النفط (كموازٍ وليس بديلا)، وخفض التزايد المستمر من الواردات وهجرة الأموال والتسرب المالي للخارج.
نقلا عن الوطن