الفكرة الإيجابية التي تبناها الوطن كخطوة عميقة في مجال مكافحة البطالة وتنشيط سوق العمل السعودي من خلال الأمر الكريم بتأسيس هيئة لتوليد الوظائف ومكافحة البطالة تُبشر بمعالجات وطنية هادفة لقضية تؤرق المجتمع السعودي بأكمله وتشكل هاجساً رئيسياً لدى حكومة هذا الوطن العزيز.. وفي اعتقادي أنّ مسألة البطالة في وطن كالمملكة العربية السعودية تُعد «من لغو القول» ذلك أنّ الفرص الوظيفية والمجالات الاستثمارية التجارية والصناعية في وطننا لا حدود لها والتواجد غير الوطني فيها لافت للانتباه ويُشكل نسبة غير مقبولة عند التفكير في المسار الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي الوطني أيضاً.
ولعلّ نجاح هذه الهيئة الجديدة يكمن في نظري في البحث الجاد والعميق في مجالات وفرص «الاسترزاق» للمواطن السعودي وأعني بذلك أن تتسع الفكرة دون إخلال بأهدافها ومساراتها لتشمل مجالات تتركز في الدراسة بعمق في كل الأنشطة التجارية الاقتصادية في وطننا والتي يمكن من خلالها توفير مجالات الرزق للمواطن السعودي بدلاً من البحث فقط في مواقع وظيفية تُشكل يوماً من الأيام عبئاً على الوطن أو اقتصاده.
وكنت قد كتبت في هذه الزاوية أكثر من مرة وقبل عدة أعوام ربما تزيد على الخمس سنوات عن تحويلات الوافدين ومصادرها، وكيفية تكونها، وأن مصادرها لو تم ضبطها بصرامة تمثل فرصاً للمواطن السعودي حيث كان قد تم استلابها منه أو تكاسل هو عنها من خلال التستر الفاحش الموجود بقوة في هذا الوطن الأمر الذي جعل الأموال تتجه إلى الآخر دون أن تصل إلى المواطن بسبب من تلك الأسباب التي ذكرتها سابقاً.. مصادر تلك التحويلات لا تمثل فقط أموالا تقوم العمالة الوافدة بتحويلها لكنها تمثل فرصا وظيفية للمواطن السعودي.
ولعلّ جولات في القطاعات الاقتصادية تكشف أنّ كثيراً من الأنشطة الاقتصادية التي تمارس في الوطن باسم السعوديين لا يعرف عنها السعودي أكثر من مرتب آخر الشهر ولو تم طلب قوائم مالية بشكل دوري لتلك القطاعات توضح المصروف والإيراد لاتضح للجهات المعنية أن المواطن السعودي «المتستر» لا يعرف حجم إيراد تلك المنشأة التي تحمل اسمه كما أنه لو عرف بذلك لربما تراجع عن تستره واستفاد وأفاد!!
كما أنّ ما يتم ممارسته الآن من خلال جهود السعودة وفرضها على القطاع الخاص بالأسلوب المعمول به حالياً قد لا يمثل في كثير من جوانبه أكثر من إضافة أخرى إلى البطالة حيث يعمد عدد غير قليل من المنشآت الخاصة لتوظيف السعوديين بمرتبات متدنية وربما دون مهام وظيفية حقيقية بهدف استكمال متطلبات السعودة من خلال تلك القطاعات الحكومية المسؤولة عنها وهو أمر لابد لهذه الهيئة من دراسته والتعامل معه وتصحيح أوضاعه.
وفي نظري أنّ غوص الهيئة بكافة الأنشطة الاقتصادية سواء تلك المنشآت الصغيرة جداً مروراً بالمتوسطة وانتهاء بالكبيرة جداً وبحث مجالات تواجد السعوديين الحقيقي فيها سيكشف عن مخزون ضخم من الوظائف ومن المجالات الاقتصادية التي تمكن الشاب السعودي ذكراً كان أو أنثى من العمل أو حتى تملك ذلك النشاط وتوظيف سعوديين فيه.
لا أعتقد مطلقاً أنّ وطننا بقطاعاته الخاصة والخيرية والعامة عاجز عن استيعاب كافة أبناء الوطن والقضاء التام على البطالة دون إخلال بأداء تلك القطاعات ولعل في تجربة البنوك وشركات الاتصالات وغيرها من الأنشطة ما يؤكد نجاح جهود التوطين.. فقط نحن بحاجة ماسة إلى الغوص في مسببات ما يُمكن أن نُطلق عليه «بطالة» وكذلك الغوص العميق جداً في تواجد غير السعوديين في الوطن خاصة في مجال ممارسة الأعمال التجارية والصناعية بكافة أنواعها والقضاء على التستر الذي قذف بالمواطن السعودي بعيداً جداً عن خيرات وطنه.. فهل تتولى هذه الهيئة الجديدة القيام بهذه المهمة؟
وهل يُمكن دراسة تلك الصناديق والجهات المتعددة التي تتبنى بناء المواطن السعودي اقتصادياً؟ والتعمق في أدائها ومدى تحقيقها لما يُسهم في خدمة المواطن السعودي وتحويله إلى مالك للنشاط يديره ويقوم بتوظيف السعوديين فيه.. ودمتم.
نقلا عن الرياض