ما ننتظره من اجتماع كبار منتجي النفط في فيينا

21/10/2015 2
د. محمد سالم الصبان

نعقد اليوم (الأربعاء) 21-10-2015، الاجتماع التاريخي لخبراء منتجي النفط من داخل «أوبك» وخارجها؛ لبحث مسألة خفض الإنتاج، وليعكس حالة القلق التي يعيشها المنتجون؛ من جراء تدهور أسعار النفط العالمية لتصل إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، وتقلبات متلاحقة -يؤثر فيها المضاربون بشكل رئيس- بين صعود وهبوط في حدود هذا المستوى السعري، والتي لم تُحدث تغيرات حقيقية في حجم الفائض النفطي الذي يجثم على السوق العالمية.

وعلى رغم تعدد التوقعات بشأن طبيعة سوق النفط العام المقبل والأعوام التي تليه بين متفائل ومتشائم، تظل أرواح معظم المنتجين بين شهيق وزفير متلاحق، تبعاً لمستويات الأسعار والتوقعات التي تغلب على السوق منذ فترة.

إلا أن كل هذا لا يُخفي حقيقة أن سوق النفط العالمية قد تغيرت بالكامل؛ بسبب تغيرات هيكلية لحقت بكل من العرض والطلب العالميين على النفط، وتغلبت فيه سرعة تزايد المعروض العالمي من النفط على السرعة المتباطئة جداً لنمو الطلب العالمي على النفط.

وحتى لو توصل اجتماع الخبراء إلى صيغة لخفض جماعي لإنتاج النفط ورفع الأسعار، فإن هذا سيكون حلاً موقتاً؛ إذ إن ارتفاع أسعار النفط بسبب إجراء هذا الخفض، سيعيد الكرَّة مرة أخرى لتنخفض الأسعار من جديد؛ بسبب عودة ما يمكن أن نسميه «متلازمة المنتج المرجح» الجديد المتمثلة في المنتجين مرتفعي الكلفة من خارج «أوبك».

وقد يخرج الاتفاق بخفي حنين لو تمسك كل طرف من الأطراف المجتمِعة برمي عبء الخفض على الآخر، وهو ما يبدو إلى الآن على الأقل.

ما الذي حدث وأوصل سوق النفط إلى حالتها الراهنة؟

إن حالة الفائض النفطي الذي تعيشه الأسواق لم يكن وليد الساعة، بل استغرق سنوات ليكتمل مشهده بالصورة التي هي عليه اليوم.

ولو أردنا تحديد أبرز هذه العوامل لوجدناها تتلخص في الآتي:

-إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية 2015 -الشكل أعلاه- يختصر ما حدث في سوق النفط منذ عام 2010 وإلى الآن، وكيف أن بقاء أسعار النفط مرتفعة ولأعلى من 100 دولار للبرميل، ولفترة طويلة قد أسهم في تسريع الوصول إلى ما نحن عليه اليوم؛ إذ أدى ذلك إلى زيادة المعروض العالمي من النفط التقليدي وغير التقليدي بشكل كبير، ودخول النفط الصخري بأحجام متزايدة بعد أن أصبح مجدياً اقتصادياً في ظل هذه الأسعار المرتفعة.

وفي جانب الطلب العالمي على النفط، أدت الفترة الطويلة لارتفاع الأسعار أعلى من مئة دولار للبرميل إلى تعزيز انخفاض معدلات نموه، واتسمت هذه المرحلة بأنها قد تسببت فيما يعرف «هدم الطلب»؛ إذ أصبح العالم يستهلك كميات أقل من النفط عند كل مستوى من الأسعار.

وساعد في ذلك السياسات المتبعة في الدول المستهلكة للنفط من ضرائب مرتفعة وتشريعات خاصة بكفاءة استخدام الطاقة والتحول بين مصادر الطاقة إلى الطاقة «الأنظف».

فأصبح الطلب العالمي على النفط يميل إلى عدم المرونة والاستجابة لكل التغييرات السعرية. محصلة التغيرات التي حدثت وتحدث في كل من العرض والطلب العالمي على النفط أوجدت فائضاً في المعروض النفطي العالمي يقدر بأكثر من 2.5 مليون برميل يومياً.

توقعات «أوبك» المتفائلة ومدى واقعيتها، واعتقد المنتجون بأنه باستمرار انخفاض الأسعار وبقائها منخفضة تحت 50 دولاراً للبرميل، بأنها ستُعيد التوازن في السوق، ويختفي الفائض تدريجياً، وهو ما دفع «أوبك» إلى تبني سياسة الدفاع عن نصيبها في الأسواق، وبدأت ناقلاتها تُبحر في مختلف مناطق العالم؛ بحثاً عن زبائن لإنتاجها، ودفع جميع المنتجين إلى الدخول في حروب سعرية كسباً لحصص أكبر في الأسواق في ظل تشبعها بتخمة المعروض، ولا أحد يعرف متى ستنتهي.

إلا أن ما حدث على رغم مرور أكثر من عام على هذه المستويات المنخفضة من الأسعار، أن لا تغيير يُذكر على أرض الواقع، وكل ما نسمع عنه هو مجرد توقعات بانخفاض كبير في إنتاج النفط الصخري العام المقبل، وتحسن أكبر في الطلب العالمي على النفط في 2016.

ويتبنى هذا السيناريو سكرتارية منظمة «أوبك» التي توقعت في أحدث تقاريرها هذه الصورة المتفائلة جداً، والتي تتوقع بموجبها وصول الأسعار إلى مستويات 75 دولاراً للبرميل. وهو ما تخالفه فيها معظم الدراسات والتقارير الدولية. بطبيعة الحال قد يكون هنالك انخفاض في الفائض النفطي العالمي، لكنه لن يزول بمجرد أننا متفائلون بحدوث ذلك.

وفي رأيي فإن الضغوط على أسعار النفط ستستمر خلال العامين المقبلين إن لم يكن أكثر، ولاسيما في ظل قدوم مزيد من المعروض العالمي من النفط، سواء من إيران أم العراق أم دول أخرى، بل وحتى النفط الصخري قد يشهد زيادة في إنتاجه لو استقرت الأسعار عند مستويات أعلى من 50 دولاراً للبرميل.

كما أن التوقعات المتفائلة التي تطرحها «أوبك» قد تكون رسالة واضحة للمنتجين من خارجها بأنه لو لم يتم الاتفاق الجماعي بين المنتجين كافة وفق صيغة عادلة ومتوازنة ومقبولة للجميع، فإن بإمكان المنظمة الانتظار إلى الأعوام المقبلة، حيث تتحسن سوق النفط تلقائياً، من دون حاجة إلى التدخل من المنتجين. وهي ورقة تُحسن «أوبك» بموجبها وضعها التفاوضي في اجتماع اليوم.

ما الذي أقنع كبار المنتجين بالمشاركة في الاجتماع؟

أولاً: تاريخياً، لم يحدث، وبشكل رسمي، أن تعاون منتجو النفط من خارج «أوبك» مع المنظمة بخفض إنتاجهم، وإن كانت هنالك بعض المشاورات غير الرسمية التي جرت عبر العقود الأخيرة من القرن الماضي بين السعودية والنروج والمكسيك، لكن كان التحسن في سوق النفط أسرع من دخولها حيز التطبيق.

وكان جميع المنتجين من خارج المنظمة وعبر التاريخ يُنتجون بطاقتهم القصوى، ويتركون عبء الدفاع عن سوق النفط لها، ومن ثم فهم يعتبرون «راكباً مجاناً»، يستفيد من أي خفض تجريه المنظمة من دون أن يتحمل أي عبء خفض الإنتاج.

لكن الوضع الذي وجب على جميع المنتجين إدراكه، هو أن حصة «أوبك» في الأسواق لا تزيد على 32 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي، ولا يمكنها وحدها القيام بدور «المنتج المرجح».

ثانياً: أن الضغوط المالية الناتجة من انخفاض أسعار النفط قد بدأت تخرج عن إطار القدرة على التحمل بالنسبة إلى معظم هؤلاء المنتجين، إن لم يكن جميعهم، إذ إن الصفة المشتركة بينهم هي ارتفاع نسبة اعتمادهم على الإيرادات النفطية بين 50 في المئة لروسيا و94 في المئة لبعض دول الخليج.

ثالثاً: أيقن منتجون خارج «أوبك» أنها مستمرة في الدفاع عن حصتها، ولا أمل في أن تتحمل عبء استقرار السوق وحدها مهما طال الانتظار، وتعرف تماماً أن مشكلة الفائض النفطي مرشحة للتفاقم مع دخول مزيد من الإنتاج، ولاسيما من إيران.

رابعاً: أنه لن يضرها المشاركة في هذا الاجتماع ومناقشة مختلف البدائل من دون أن تلتزم بشيء لا يناسبها، فلعل أي اتفاق يُنقد إيراداتها النفطية.

هل يكون هنالك اتفاق بين المنتجين في الاجتماع؟

لا أتصور انه في اجتماع واحد يمكن الخروج بصيغة توفيقية بين المجتمعين، فلديهم مهمة صعبة في:

1- الاتفاق على وضع السوق.

2- حجم الفائض النفطي.

3- مقدار خفض الإنتاج المرغوب فيه.

4- المعايير التي يتم بموجبها خفض كل مشارك إنتاجَه النفطي، 5-الآلية المستخدمة للتحقق من التزام كل عضو بما تم خفضه.

وأتصور أن الفقرتين الأخيرتين قد تحتاجان إلى اجتماع آخر لاحق قبيل اجتماع «أوبك» في بداية كانون الثاني (ديسمبر) 2015.

وختاماً، فإنه في الوقت الذي تتفاءل فيه الأسواق تفاؤلاً حذراً مع هذا الاجتماع، وتنتظر أية إشارة إيجابية تصدر عن الاجتماع، بتفهم الأطراف المجتمعة للحاجة إلى إعادة الاستقرار للأسواق، وأن كل المجتمعين متفقون على تحمل كامل مسؤولياتهم تجاه الوضع الجديد في سوق النفط العالمية، وكانت سمة الاجتماع هي التفهم الكامل لوضع السوق، والإقرار بضرورة التفاهم حول ما يجب تبنيه من توصيات، وأن هذه بداية لتعاون منتظم طويل الأمد، يحقق مصالح المنتجين والمستهلكين والمستثمرين، على حد سواء.

نقلا عن الحياة