يحرص السعوديون هذه الأيام على تصفح موقع وكالة أنبائهم الرسمية «واس» ومراقبته منتظرين إعلانها الخبر السعيد ببدء جباية الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، ويمنون أنفسهم بأن لا يتأخر إصلاح تشوهات سوقهم الإسكانية لزمن أطول.
فقرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء (الأراضي الخاصة غير المطوَّرة) صدر رسمياً عن مجلس الوزراء السعودي يوم الاثنين 23 آذار (مارس) الماضي، وأوعز إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية «بإعداد الآليات والترتيبات التنظيمية لذلك ورفع ما يجري التوصل إليه إلى مجلس الوزراء تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشورى لاستكمال الإجراءات النظامية في هذا الشأن في شكل عاجل».
وفي العرف الإداري فإن كلمة «في شكل عاجل» لا تحتمل التأخير أكثر من ستة أشهر، لكن الآليات والترتيبات التنظيمية جاوزت هذه المدة، وهو ما يجعل أزمة الإسكان مستمرة وحال السوق في توقف وترقب وانتظار، فلا المواطن يرغب في الشراء، ولا البائع يريد أن يبيع حتى تتضح الصورة بعد الضريبة، ويتحدد معها اتجاه السوق.
صدر قرار فرض الضريبة من مجلس الوزراء بعد شهرين من تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز زمام القيادة، مؤكداً استشعار الحكومة وعلى رأسها الملك بضرورة حل هذا الملف المزعج، وتمكين ما يربو من 60 في المئة من تملك منازلهم الخاصة، بعدما حرمهم الاحتكار والمغالاة في أسعار الأراضي من ذلك، بل ووصل الحال ببعضهم إلى عدم تسلم قرضه العقاري والاستفادة منه بسبب غلاء الأراضي التي جاوزت المنطق والمعقول.
ولذلك جاء الحل الصحيح بفرض الضريبة على الأراضي المحتكرة، وهو ما ينتظر المواطنون جميعاً إعلان آليات تطبيقه ليصحح الأسعار ويمكنهم من تملك منازلهم الخاصة.
أزمة أسعار الأراضي في السعودية لا تعود إلى شحها، فالبلد بمساحة قارة، لكنها تعود إلى تحول هذه الأراضي إلى مستودع للثروات وتركز سيولة كبار التجار والعقاريين في مضاربات الأراضي بما رفع أسعارها فوق قدرة المواطن العادي عشرات بل مئات المرات.
ولم تفلح جهود وزارة الإسكان خلال السنوات الخمس الماضية في حلحلة ولو جزء صغير من الأزمة على رغم المبالغ الضخمة التي وضعت تحت تصرفها ولم تنتج شيئاً يسمن أو يغني من جوع.
وزير الإسكان الجديد ماجد الحقيل تعهد بتسريع عجلة إنجاز وزارته، وأعطى مهلة مئة يوم (بقي منها 40 يوماً تقريباً) لتسليم المساكن والشقق والأراضي المطورة لمستحقيها، ولأنه الاختبار الأول للوزير الجديد، فعسى أن لا يتأخر وعده، فمهمته الأولى والأصعب هي إعادة الثقة إلى الوزارة بعدما اهتزت نتيجة عدم التزامها بوعودها السابقة.
وحتى مع وفاء الحقيل بوعده فإن ما سيجري تسليمه لن يشكل شيئاً يذكر مقارنة بعدد المستحقين الذين تضمهم لائحة الاستحقاق في الوزارة، ما يعني أن على الوزير ومستشاريه عمل الكثير وبأسرع وقت لمواجهة التحديات المتزايدة أمام وزارته.
هذا الأسبوع شهد أيضاً موافقة مجلس الوزراء على تحويل صندوق التمويل العقاري إلى مؤسسة تمويلية «بنك عقاري»، ما سيعطي المؤسسة الجديدة مرونة أكثر في إقراض المطورين العقاريين، والدخول في شراكات مع القطاع الخاص لإنشاء مشاريع سكنية مشتركة، كما سيسمح له باستقطاب الكفاءات والخبرات اللازمة لإدارة المؤسسة الجديدة. وعلى رغم أن القواعد المنظمة لعمل المؤسسة الجديدة لم تعلن بعد، فما يجب التأكيد عليه هو وجوب أن لا يتغير شيء على المواطن الفرد سواء في نوعية القرض الحسن (بلا فوائد)، أو حجمه أو طريقة استيفاء الأقساط، فالهدف الربحي يجب أن لا ينسي القائمين على المؤسسة الجديدة أن هدفها الأول تنموي وهو مساعدة المواطن الفرد في تملك سكنه الخاص، وهو ما يجب أن لا يتغير ولا يتأثر بتحويل الصندوق إلى مؤسسة.
لم يسل حبر الأقلام والمطابع في السعودية طوال السنوات الخمس الماضية على قضية كما الإسكان، وللأسف فإن النتائج على الأرض لم تتغير، والإنجاز ما زال يراوح حول الصفر، وشكوى الناس تتزايد وتتعالى.
ولذا فإن إعلان آليات الضريبة على الأراضي البيضاء هو المطلوب إعلانه بأسرع وقت عبر «واس»، وساعتها يمكن القول إن حل أزمة الإسكان بدأ فعلياً خطوته الأولى الصحيحة، وما عدا ذلك فلن تنفع المسكنات والقروض في حلحلة القضية الأكبر والأهم في الاقتصاد السعودي.
نقلا عن الحياة
صح لسانك وقلمك