أرامكو من النفط إلى المطاط

01/10/2015 10
صلاح الدين خاشقجي

قامت شركة أرامكو فيما وراء البحار التابعة لأرامكو السعودية بتوقيع اتفاقية مشروع مشترك مع شركة لانكسيس الألمانية، أكبر منتج للمطاط الصناعي في العالم.

تقوم أرامكو بموجبه بدفع 1.2 مليار يورو مقابل حصة 50% تمثل 1.375 مليار يورو، نصف القيمة الإجمالية لمشروعها مع لانكسيس، أي أنها اشترتها بسعر أقل من قيمة شركة المشروع الدفترية، والذي يستهدف الاستثمار في القيمة المضافة لصناعة المطاط الصناعي.

وبحسب الاتفاق مع لانكسيس، ستقوم هي بتعيين الرئيس التنفيذي، فيما تعين أرامكو رئيس المالية.

المبلغ النقدي الذي ستدفعه أرامكو لشركة مشروع المطاط الصناعي لن يقوم بتمويل المشروع، بل سيستخدم لشراء أسهم خزينة لشركة لانكسيس الأم، الأمر الذي رفع من سعر تداولها بنسبة زيادة 3.4% ليصل سعر سهمها إلى 47.40 يورو.

بالإضافة إلى ذلك، نجد أن صناعة المطاط الصناعي، وكذلك شركة لانكسيس، تمر بصعوبات مقلقة، نظرا لانخفاض هامش ربحية شركات صناعة البتروكيماويات الألمانية ككل، بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام.

ولذلك جاء عرض أرامكو السعودية أكثر ملاءمة لاحتياجات وحدة صناعة المطاط في شركة لانكسيس، بحسب تصريح الشركة الألمانية، مقابل أهم شركات البتروكيماويات الأوروبية.

وذلك لأن أرامكو تعهدت بتقديم اللقيم بأسعار تفضيلية للمشروع المشترك.

هذه هي أهم خطوة تقوم بها أرامكو السعودية بعد قرار إعادة هيكلتها الذي صدر عن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي مهد لاستراتيجية جديدة تعمل على الاستثمار في الصناعات التحويلية للبتروكيماويات.

استراتيجية أرامكو تكمن في توسيع هامش ربحية منتجها الرئيسي، النفط، عن طريق الاستثمار في مشتقاته الأعلى سعرا.

ولذلك قامت أرامكو في وقت سابق هذه السنة بترتيب قرض من بنوك محلية وعالمية بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل عمليات الاندماج.

كما أنها في طور بناء محطة بقيمة 20 مليار دولار لمختلف الكيماويات في الجبيل مع شركة داو كيميكال.

وتشمل هذه الاستراتيجية زيادة الطاقة التكريرية لأرامكو بالاستثمار في مصاف جديدة في كل من الجبيل ورابغ وجازان.

وبذلك تعمل أرامكو على تعظيم القيمة المضافة للمزيد من انتاجها النفطي، خصوصا بعد ثورة الغاز الصخري الأمريكية والتي أثرت على شركات البتروكيماويات الأوروبية وكذلك سابك كون صناعاتها تعتمد على لقيم الغاز.

ولذلك فإن الاستثمار في صناعة البتروكيماويات التي تستخدم النفط مثل المطاط الصناعي هو خطوة نحو المزيد من التنويع لمصادر دخل أرامكو.

صناعة المطاط الصناعي تشكل نحو 40% من إجمالي عمليات شركة لانكسيس، في حين أن إجمالي مبيعاتها المتوقعة للعام 2015 يصل إلى 8.5 مليار يورو.

ونظرا لما تمر به الصناعة من تراجع بسبب الفائض في المعروض ومع ارتفاع التكاليف، تراجع هامش ربح النشاط.

الأمر الذي يبدو جليا في نتائج لانكسيس المالية ما بين الأعوام 2011 و2014 حيث استقر في بداية الفترة هامش ربح المجموعة عند 13% قبل أن يهوي إلى 9%، وهو أدنى من متوسط هامش الربح على مدى العقد الماضي.

وذلك يعني أن العائد على قطاع المطاط الصناعي أقل من 9% لأنه هو من يجر هامش ربح المجموعة، ولكن يعوض ذلك قوة مركز لانكسيس في سوق المطاط الصناعي.

فقطاع المطاط يوظف 3,700 موظف من أصل 17 ألف موظف يعملون في مصانع لانكسيس.

وستسهم لانكسيس بعشرين وحدة انتاج و4 مراكز أبحاث تتوزع على سنغافورة والصين والهند والبرازيل، بالإضافة إلى وجود شركة للمبيعات تابعة لانكسيس في روسيا.

وتأتي خطة لانكسيس لمشاركة أرامكو في نشاط المطاط الصناعي ضمن خطة إعادة هيكلة شاملة للانكسيس نتج عنها استثمارات كبيرة في قطاع المطاط كما حمل ميزانية الشركة عبئا كبيرا من الديون.

لو فرضنا أن المشروع المشترك قادر على إبقاء هامش ربح العمليات عند 9%، فإن العائد على استثمار أرامكو للسنة الأولى (50% من أعمال المطاط الصناعي للانكسيس) سيصل إلى 150 مليون يورو، بنسبة 13% وتكون فترة استرداد رأس المال باستخدام نمو أساسية بدون أي استثمارات اضافية نحو 7 سنوات.

وبالإضافة إلى الربح المتوقع من هذه الصفقة فإن دخول أرامكو إلى قطاعات جديدة في صناعة البتروكيماويات يجعلها تقود التحول الضروري لشركات البتروكيماويات السعودية.

فهي كالأوروبية، تعاني من وفرة المعروض من المنتجات بعد فورة الغاز الصخري الأمريكي.

وتزايدت الضغوط بعد تراجع أداء الاقتصاد الصيني وعدم قدرته على السيطرة على التكاليف، بالإضافة إلى احتمالية عودة إيران الغنية بالغاز الطبيعي لسوق البتروكيماويات.

صحيح أن التعمق في الصناعات التحويلية سيضعها في مواجهة مباشرة مع سابك، ولكن مثل هذه المواجهة قد تكون ضرورية.

فبعد أن كان الدافع وراء الاستثمار في الصناعات التحويلية للقيم غير أحفوري هو فكرة نضوب النفط والغاز، تحول الهدف اليوم لتقليص التكلفة مقارنة بلقيم الغاز الذي يقل بنسبة 30% عن النافتا النفطية الثقيلة.

المطاط الصناعي سيقرب أرامكو والاقتصاد السعودي من المستهلك أكثر فأكثر، ويضمن لنا مساحة إضافية في سلسلة القيمة المضافة للنفط غير استخراجه وبيعه كخام.

ولعل هذه الصفقة الجيدة تكون بداية سلسلة من الاستحواذات والاندماجات في مجالات البتروكيماويات والطاقة تهدف لتوطين هاتين الصناعتين.

نقلا عن اليوم