غدا واضحاً الآن أن المملكة قررت اتخاذ خطوات حاسمة في تنويع الاقتصاد بما يؤدي لجلب نتائج ناجزة - دون تأخير - تضيف لقيمة الناتج المحلي الإجمالي من جهة، ويعزز إيرادات الخزانة العامة للحكومة الموقرة من جهة ثانية.
ويتأكد ذلك من خلال مبادرتها لفتح قطاع التجزئة للمستثمرين الأجانب من جهة، والجهد المنسق لاستقطاب استثمارات أجنبية مؤثرة للنهوض بمساهمة القطاعات غير النفطية كالتعدين والترفيه على سبيل المثال لا الحصر.
ولا سيما أن الاقتصاد السعودي شهد خلال ما انقضى من العام الحالي (2015) تراجعاً في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر؛ فتدفقات الاستثمارات الخاصة في الربع الأول للعام الحالي 2015 شهدت تراجعاً، حيث سجلت للربع 1.848 مليار دولار، وهي الأقل على الاطلاق، مقابل التدفق الأعلى وقدره 39.455 مليار دولار سجلت في الربع الرابع العام 2008.
وكذلك تراجعاً في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، بما في ذلك من دلالات حول القدرة التنافسية بعد أن تراجع المؤشر الرئيس لسهولة ممارسة الأعمال للمرتبة 49 بعد أن حقق مرتبة متقدمة في العام 2010 للمرتبة العاشرة.
وفي ضوء التوجيهات الملكية، صدر مؤخراً بيان مشترك من قِبل وزير التجارة والصناعة ومحافظ الهيئة العامة للاستثمار، يؤكد الاهتمام بتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع تجارة الجملة والتجزئة.
من خلال رفع قيد الملكية الأجنبية التي يفرضها التزام المملكة في منظمة التجارة العالمية، بما يمكن الشركات الأجنبية من التملك الكامل لمنشآت عاملة في ذلك القطاع، كخطوة استباقية لاستقطاب التصنيع ونقل التقنية وتوظيف وإيجاد وظائف للمواطنين.
حيث حدد البيان المشترك الأهداف التالية لفتح القطاع:
1.الاستقطاب المباشر لشركات التصنيع العالمية.
2. تمكين الشركات العالمية بيع منتجاتها مباشرة للمستهلك.
3.توفير خدمة ما بعد البيع.
4.تحسين القدرة التنافسية.
5.توفير فرص توظيف قيمة للشباب السعودي.
6. تدريب وتطوير الشباب السعودي في مراكز تدريب تابعة لتلك الشركات.
7.تشجيع الشركات الأجنبية تصنيع منتجاتها في المملكة.
8. جعل المملكة مركزاً عالمياً لتوزيع وبيع وإعادة تصدير المنتجات.
وتجدر الإشارة، الى أنه وفقاً للالتزامات الحالية للمملكة تجاه منظمة التجارة العالمية، تنطبق القيود التالية على قطاع تجارة الجملة والتجزئة: ملكية أجنبية لا تزيد على 75 بالمائة، حد أدنى للاستثمار 20 مليون ريال سعودي، ألا يقل عدد الموظفين السعوديين عن 15 بالمائة، وقد يحدد عدد معين من الفروع على المستثمر الأجنبي تشغيلها كحدٍ أدنى.
ولا بد من بيان أن قطاع تجارة الجملة والتجزئة يساهم بنحو 10.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقاً للإحصاءات الرسمية، للربع الثاني من العام الحالي (2015)، بنمو قدره 4.78 بالمائة مقارنة بالربع الثاني من العام 2014.
وعند ربطه كذلك بقطاع الصناعة التحويلية، الذي يساهم بنحو 59 مليار ريال، أي نحو 9.36 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكلا القطاعين واعد ويتمتع بمعدل نمو إيجابي، ندرك أن السعي للمواءمة بين فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية القادرة على الاستجابة لاشتراطات إضافة القيمة، وبالتالي حفز النمو الاقتصادي، له ما يبرره وسط تباطؤ الأنشطة المرتبطة بالقطاع النفطي، مثل صناعة التكرير التي انكمشت مساهمتها للناتج المحلي الإجمالي (كما في الربع الثاني للعام 2015) ووفقاً للإحصاءات الرسمية، بنحو 23.8 بالمائة مقارنة بعام مضى (نهاية الربع الثاني للعام 2014).
وهكذا، نجد السعي لتنشيط القطاعات الاقتصادية غير النفطية، ولا سيما الواعدة، وتحديداً التجارة والصناعة، من خلال زيادة الضخ الاستثماري فيهما، يمتلك فرصة حقيقية للحد من تباطؤ النمو في حال استمرت أسعار النفط في ضعفها. بل ويمكن الجدل بأن الربط عضوياً بين القطاعين (التجارة والصناعة التحويلية غير النفطية) قد يؤدي إلى نمو مُضاعف، لا سيما عند فتح المجال للمنتجين الصناعيين للدخول في قطاع تجارة الجملة والتجزئة، والعكس بالعكس.
مما تقدم يمكن القول إننا أمام تحرك منسق لتنويع الاقتصاد السعودي يستهدف القطاعات غير النفطية، بل وأكثر تلك القطاعات استجابة، وتحديداً التي تمتلك مرونة لتوظيف المزايا النسبية والتنافسية التي يمتلكها الاقتصاد الوطني، والحوافز المالية وغير المالية التي تقدمها الحكومة.
ولعل ما يميز هذا التحرك هو أنه إستراتيجي فَطن، باعتبار أن رفع تقييدات اُتفق عليها مع منظمة التجارة العالمية لن يكون أمراً مؤقتاً، بل دائما مع سبق الإصرار، وهذا يعني أن عجلة تطوير ونمو القطاعات غير النفطية ستدور - بإذن الله - ليس بقوة الدفع الذاتي بل ستتسارع بفعل جهود القطاع ذاته مُدعماً بقرارات حكومية مُبادرة ومؤثرة، لعل ما شهدناه مؤخراً يُمثل بواكيرها.
نقلا عن اليوم