هذا ليس وقتا للصمت.. حدثونا عن اقتصادنا

25/08/2015 7
د. إحسان بوحليقة

يتأثر المتعاملون بالبيانات الخارجية نظراً لوفرتها مقابل شح في البيانات والمؤشرات المتصلة بجوانب الاقتصادات.

هذا أمرٌ قد تجد من يجادل فيه، لكن ثمة حقائق لن يجادل فيها أحد؛ سعر النفط تراجع فتراجعت إيراداته، وباعتبار أنها مرتكز إيرادات الخزانة العامة فقد لجأت الحكومة الموقرة للاحتياطي لتغطية جانب من الانفاق، وطرحت سندات دين.

كل هذا مَرّ علينا سابقاً، أما ما لم يَمرّ فهو قدر غير مبرر من الارجاف، فمثلاً يخرج أحدهم ويصر أن أسعار الوقود ستُرفع، وثان يقول إن برنامج الابتعاث سيُوقف، وثالث يضيف أن الانفاق على المشاريع (الانفاق الرأسمالي) سيتوقف! كل هذا يقال ولم نسمع من متحدث رسمي شيئاً يدحض ما يُثار، فيعزز ذلك «الصمت» الرسمي وضع من يطلق الشائعات، او بالونات الاختبار.

كيف «تَفقع» بالونات الاختبار، التي تُطلق بين الحين والآخر؟ بزيادة الضخ المعلوماتي بما يبين الحقائق، ويوضح الخطط، ليس بقصد تجميل الواقع ونسبة ما ليس فيه إليه، بل لمنع تشويه الواقع ومغالطته.

بل يمكن الجزم بأن مهمة الدفاع على الواقع الاقتصادي بدحض المغالطات والشائعات، لا يقل أهمية عن الدفاع على ترابنا الوطني، فالقول الشائع يؤكد «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»، ولطالما نقول في أحاديثنا «المال عديل الروح». إذاً، إيضاح الواقع الاقتصادي ليس أمراً ثانوياً، بل هو جوهري.

فأول ما يتعلمه طالب الاقتصاد أن الضبابية هي ما يعيق اتخاذ القرارات الصائبة، وأن عدم اليقين سببه الأساس شح في المعلومات أو تدن في موثوقيتها!

ومن جانب آخر، فإن الحقائق الصادرة من جهات رسمية تقتلع افتراضات يبني البعض عليها سيناريوهات وتوقعات.

ولا أحد يقول إن مهمة الحقائق الرسمية رسم صورة وردية، بل رسم صورة حقيقية. لنأخذ مثلاً البطالة، والتي تبين المصادر الرسمية أنها تربو على 11 بالمائة، ويصدر بذلك تحديث رسمي من مصلحة الإحصاءات العامة كل ستة أشهر.

تلك حقيقة علينا أن نتعايش معها وأن نسعى الى خفض البطالة والسيطرة عليها. ومثال آخر، عندما خرج محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي وصرح عن العجز في الميزانية وعن السحب من الاحتياطي ونية الحكومة الموقرة طرح سندات، استمع الجميع بإنصات للمستجدات وتفاعل معها.

إذا نظرنا إلى ما حدث في مؤشر سوق الأسهم السعودي خلال ما انقضى من هذا الأسبوع، سنجد ان هناك قلقا، والميل إلى التأثر بأي خبر سلبي. وبالقطع فإن الشائعات تحمل معها الكثير من التكهنات المتشائمة، التي لا تلقى لها إجابة رسمية، ولا حتى من قبل المتحدث الرسمي المختص سواء في هيئة السوق المالية، أو مؤسسة النقد، أو وزارة المالية، أو سواها.

ويضاف لذلك أهمية أن يكون لدى المملكة روزنامة اقتصادية تبين تواريخ محددة مسبقاً تفصح عندها المؤسسات المختصة عن أخبار ومؤشرات وبيانات جوهرية، وبذلك تتوافر آلية مقننة لإعلام السوق ولدحض الشائعات والتكهنات التي لا تقوم على رصد دقيق للواقع بل على انطباعات.

ولذا، فثمة علامات استفهام بحاجة إلى إجابات، وفي حال عدم توافر تلك الإجابات فإن زمام المبادرة ستكون بيد الشائعات، أو ستكون قلوب بعض المتعاملين «فارغة»، فتكون في مهب الريح، فمثلاً يوم الأمس أخذ سوق الأسهم يتراجع منذ أن افتتح ليس بناءً على مستجدات داخلية بل متأثراً بالتراجعات الكبيرة في الأسواق الصينية غير المسبوقة منذ 2008!

التجارب السابقة لا تؤيد الصمت عند الحاجة للحديث، عندما تآكل مؤشر سوقنا في العام 2006، كانت الشفافية هي العملة النادرة، وكانت الحاجة ماسة لإيضاح الحقائق لكي تطرد التكهنات والشائعات.

الآن، علينا السعي لاستعادة التأثير على سوقنا، باعتبار أن مؤشر السوق المالية هو ترموميتر للاقتصاد.

وما دام الصمت يسود داخلياً، وذاك هو فراغ معلوماتي خطير سيُملأ بتكهنات عن الداخل وتأثيرات من الخارج (كما هو الحال عند تذبذب أسعار النفط وتقلب الأسواق الرئيسية في آسيا وأوربا وأمريكا)، فيكون لزاماً الإصرار على «تنوير»، السوق المالية والمتعاملين فيها، ومن ورائهم المتعاملون في الأسواق المحلية على تنوعها، بيعاً وشراءً واستثماراً.

والتنوير يكون بضخ بيانات ومعلومات وتوفير إيضاحات، بصورة رسمية، ومن خلال وكالة الأنباء، وليس –كما هو دارج الآن- تغريدات للمسئولين عبر توتير!

خلال مسيرة البلاد الاقتصادية مرت بالكثير من التجارب، وعلينا بالفعل أن نسعى سعياً حثيثاً ألا نتعلم الدرس مرتين، فمن العبر المهمة أن الأسواق لا ترى «الصمت» رصانةً بل تقرؤه على أنه ضبابية، وتكون ردة الفعل السعي بشتى الوسائل –النظامية وغير النظامية- للحصول على المعلومات حتى يصبح بوسع المتعامل البيع والشراء والاستثمار على بينة، فإن فشل في الحصول على المعلومات فإنه يتجنب الدخول ويَحد من نشاطه، مما يؤدي في المحصلة إلى تراجع المؤشرات وتعطل النمو وتباطؤ الاقتصادات وربما كسادها. إذاً ليس هذا وقت الصمت.

نقلا عن اليوم