هل للإنفاق على التعليم مردود اقتصادي على الفرد وعلى البلد؟
الانطباع العام هو أن له مردودا إيجابيا، أما عند الخوض في الدراسات المتخصصة التي حاولت الإجابة عن هذا السؤال فسنجد قدراً هائلاً من التفاوت بين الدول؛ فمنها من قَطَرَ التعليم اقتصاداتها لآفاق رحبةٍ، ومنها مَنّ لم يحدث الانفاق على التعليم أثراً، بل من الدراسات مَن خَلصت إلى أن الأثر كان سالباً.!
وهكذا، أشارت العديد من الأبحاث التي أجريت في أنحاء العالم إلى أن للتعليم أثراً إيجابياً كبيراً يفوق رأس المال.
وعلى النقيض، شككت دراسات متأخرة في ذلك الأثر.
وبالقطع، فالعلاقة تتفاوت من دولة لأخرى، وتتغير من حقبة زمنية لأخرى.
ولذا فمن المهم تتبعها ورصدها عن كثب حتى لا يكون الانفاق على التعليم عشوائياً أو تقليدياً أو تلقائياً يفتقد رؤية تحققها أهداف ضمن إطار زمني مُحكم.
ومن الدراسات القليلة التي تناولت العلاقة التبادلية بين التعليم والنمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية، دراسة أجراها الباحثان عبدالله بن محمد المالكي وأحمد بن سليمان بن عيد بعنوان «التعليم والنمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية:
دراسة قياسية باستخدام المعادلات الآنية»، نُشرت في مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية في العام 2004. وقد استشهد الباحثان بالأدبيات لبيان أن هناك سببين للاعتقاد بأهمية التعليم؛ الأول أن هناك طلبا جماهيريا كبيرا على التعليم ولاسيما التعليم العام في الدول كافة، والثاني للعلاقة القوية بين التعليم والدخل على مستوى الفرد والدولة.
وتابعت الورقة بأن الأثر المباشر للتعليم في النمو الاقتصادي يتحقق من خلال تحسين المهارات والقدرات الإنتاجية للقوى العاملة، إذ لا يوجد خلاف بين الاقتصاديين عن وجود دور مباشر للتعليم في النمو الاقتصادي.
وتابع الباحثان بأنه نظراً لأهمية قياس دور التعليم في النمو والتنمية الاقتصادية عند تخصيص الموارد المالية، ولما للتعليم من أثر على الدخل على مستوى الفرد والنمو الاقتصادي على مستوى الدولة، بما يبرر الحاجة لاستقصاء العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي في المملكة، وتحديد أثر كل منهما على الآخر.
واستهدف بحث الزميلين قياس العلاقة بين التعليم (المدرجين في التعليم العام) ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي (النمو الاقتصادي)، كما استهدف تحديد وتحليل محددات الانفاق على التعليم في المملكة.
ولم يفت الباحثان تتبع الأدبيات المعتبرة التي أثبتت أن للتعليم مساهمة مباشرة في زيادة الدخل القومي في أي دولة، وذلك من خلال:
رفع كفاءة وانتاجية الأيدي العاملة، وأن تلك المساهمة إيجابية، مما يعني أن النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول مرتبط بقدرتها على إعداد وتنمية المورد البشري.
حيث استشهدت الدراسة بما توصل له البرفسور روبرت سولو بأن التعليم والمعرفة والتقدم التقني والأبحاث العلمية تمثل عوامل مهمة لزيادة الإنتاج، وبدراسة أخرى للبرفسور أود أوكرست على الاقتصاد النرويجي توصل فيها إلى أن زيادة رأس المال بمقدار 1 بالمائة تؤدي إلى زيادة الإنتاج بمعدل 2 بالمائة، وزيادة كمية العمل بمقدار 1 بالمائة تؤدي إلى زيادة الإنتاج بمقدار 0.7 بالمائة، أما تطوير مستوى العاملين فيؤدي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي للنرويج بمعدل 1.8 بالمائة سنوياً.
وأبرزت الدراسة نتائج دراسة أجراها البرفسور دينيسون على الاقتصاد الأمريكي لفترة خمسين عاماً (1910-1960) توصل من خلالها الى أن زيادة الاستثمار في التعليم يساهم بنحو 23 بالمائة من النمو في الناتج القومي الإجمالي، ويرى دينيسون أن زيادة نمو الاقتصاد الأمريكي يتوقف بدرجة كبيرة على التعليم، فقد بين في بحث آخر له أن 21 بالمائة من النمو الاقتصادي الذي حققه الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة 1921-1957 يعود إلى التعليم.
أما في الدراسات على الدول العربية فالأمر يبدو مختلفاً، فقد بينت دراسة قام بها البرفسور غنيمة إلى التشكيك في وجود دور إيجابي للتعليم على النمو الاقتصادي على المستوى القومي كماً وكيفاً؛ فعلى الرغم من ارتفاع المستوى التعليمي في الوطن العربي إلا أن الدخل القومي ينخفض! بل إن هناك دراسات عربية بينت وجود علاقة سالبة بين المدرجين في التعليم الابتدائي وبين الإنتاج القومي العام في الدول النامية.
وفي العديد من الدراسات السعودية، التي اطلع عليها الباحثان، بينت أن للتعليم أمرا واضحا في تحسين أجر العامل، يصل إلى 25 بالمائة عند زيادة المؤهل التعليمي بمرحلة واحدة بينما زيادة سنوات الخبرة بسنة واحدة تزيد الأجر بحوالي 8.5 بالمائة فقط.
نقلا عن اليوم