وافقت لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ الأمريكي قبل أيام، بأغلبية قليلة على مشروع قانون لرفع حظر عمره 40 عاما على تصدير النفط الخام، لكن المشروع يواجه صعوبة لتمريره في المجلس بكامل هيئته. ويهدف المشروع الذي أجيز بأغلبية 12 صوتا مقابل 10 أصوات معارضة إلى تمكين الولايات المتحدة من تصدير النفط الخام وتعزيز تقاسم العائدات بين الولايات عن عمليات الحفر عن النفط والغاز في المناطق البحرية. وكان الكونغرس أقر حظر تصدير النفط الخام في العام 1975م بسبب الخوف من نقص الوقود وارتفاع اسعاره في امريكا. غير أنه وبفضل ثورة الزيت الصخري اصبحت امريكا تنافس روسيا والسعودية على مركز أكبر منتج للنفط في العالم. ويعتقد المراقبون أن تحرك الادارة الأمريكية للسماح بتصدير النفط الخام الخفيف من شأنه أن يشجع عمليات الحفر في آبار النفط الصخري، ويُحبط الاستراتيجيات التي من مصلحتها كبح انتاج الولايات المتحدة من الزيت الصخري ذي الكلفة المرتفعة. ومن شأن السماح بالتصدير تعزيز الامدادات الامريكية الجاهزة للبيع في الخارج بمقدار مليون برميل يوميا في فترة زمنية تقدر بحوالي عام.
ولقد سمحت الادارة الامريكية لبعض الشركات بالتصدير وفق معايير معينة وخاصة، ولقد وصلت صادرات النفط الخام الامريكي حالياً إلى نحو 200 ألف برميل باليوم ويمكن ان تزداد لتبلغ 500 ألف يوميا بنهاية العام الحالي. وقد يفتح الباب قريباً على مصراعيه لزيادة الصادرات النفطية الامريكية على نحو كبير، خاصة وان بمقدور الولايات المتحدة تصدير كميات كبيرة من النفط الخام الخفيف. والحقيقة ان منتجي النفط غير التقليدي بامريكا يحاولون منذ فترة معرفة مدى امكانية تغيير قانون منع صادرات النفط الخام لوضع الاستراتيجية المناسبة للمستقبل الخاصة بالتوسع وزيادة الاستثمار أو تغيير الرؤية. والجدير بالذكر ان هناك سباقا بين منتجي النفط التقليدي (اهمهم اوبك وروسيا) وغير التقليدي على الاستحواذ على جزء من الاسواق. ويعول منتجو النفط التقليدي على عنصر الزمن وارتفاع كلفة انتاج الزيت الصخري لكسب حصص اضافية من الانتاج.
وتستهلك الولايات المتحدة حوالي 19 مليون برميل باليوم من النفط، وانتجت في عام 2007م حوالي 5 ملايين برميل باليوم فقط. ولكن في عام 2011م بدأت افاق نهضة نفطية جديدة بالظهور بامريكا، ولقد وصل انتاج الولايات المتحدة من النفط بفضل الزيت غير التقليدي في عام 2014م الى حوالي 8.7 مليون برميل باليوم اي ان امريكا قد استطاعت ان تضيف حوالي 4 ملايين برميل باليوم من النفط العالي الجودة الخفيف وقليل الكبريت. وتتوقع ادارة معلومات الطاقة الامريكية ان يستمر الارتفاع في عام 2016م ليسجل 9.2 مليون برميل باليوم وهذه دلالة واضحة على أن اسعار النفط المنخفضة قد استطاعت خفض التوسع في انتاج الزيت الصخري ولكن لم تستطع ايقافه. وترى الادارة ان الانتاج بعد 2016م سيستمر بالارتفاع لكن من الصعوبة وفق الظروف الحالية توقع كميات الانتاج. تنتج امريكا حالياً حوالى 8.7 مليون برميل نفط باليوم وحوالي 2.9 مليون برميل من سوائل الغاز الطبيعي (كثير منها من المصادر الصخرية) وبذلك تصبح قدرة امريكا على انتاج السوائل البترولية حوالي 11.6 مليون برميل باليوم وتستورد من كندا والمكسيك كميات كبيرة من النفط يجعلها غير محتاجة كثيرا لنفط اوبك.
وحالياً يبلغ الفرق بين سعر نفط الخام الامريكي وست تكساس وخام برنت 5-8 دولارات للبرميل رغم ان الخام الامريكي هو اعلى جودة من برنت. وهذا يعني انه في حالة السماح للخام الامريكي بالتصدير فسيعمل منتجو الخام الصخري لتصديره الى اوروبا واسيا. ولاسيما وان معظم صناعة التكرير الامريكية قد صممت لمعالجة نفوط الخليج العربي والفنزويلي الاعلى كثافة.
لاشك ان السماح لمنتجي النفط الصخري بالتصدير وهو كما يبدو قادم لا محالة هو محاولة أمريكية لانقاذ صناعة النفط غير التقليدي من الافلاس. وكما هو الحال في صناعة الغاز الصخري الامريكي التي اوشكت على الافلاس بسبب انخفاض الاسعار وحالياً هي عند حوالي 2.8 دولار للمليون وحدة حرارية. إلا ان السماح بتصدير الغاز قد سمح لشركات الغاز الصخري ببيع غازها الى اوروبا واسيا بحوالي 10 دولارات للمليون وحدة حرارية. وهو ما اعطى بارقة امل لهذه الصناعة التي تمد امريكا بالطاقة.
وعندما تصدر امريكا الخام الخفيف سوف تؤثر على الاسواق العالمية وقد تنخفض الاسعار العالمية بسبب ذلك. الى الان كان تأثير الخام الصخري محدوداً داخل قارة امريكا الشمالية، وكان التأثير على الاسواق بطريقة غير مباشرة وهو انخفاض الاستيراد من خام اوبك. اما في المستقبل القريب فستعمل الشركات المنتجة للزيت الصخري على منافسة اوبك على حصص في الاسواق الاوروبية والاسيوية. لاشك ان التأثير السلبي الكبير سيكون على الدول المنتجة للخام الخفيف مثل ليبيا ونيجيريا والجزائر.
وفي جميع الاحوال ستكون شركات الزيت الصخري هي المستفيد الاكبر من هذا القرار، لان اسعار الزيت بامريكا منخفضة مقارنة بالعالم وحتى المصافي الامريكية لها قدرة محدودة جداً لتكرير ومعالجة الزيت الصخري الامريكي. وهذا سيسمح لهذه الشركات بزيادة انتاجها وسيعطيها فسحة أمل جديدة بعدما تعرضت لظروف قاسية بسبب انخفاض أسعار الخام بامريكا. ويعتبر قرار السماح المتوقع للشركات الامريكية بتصدير نفطها بداية حقبة جديدة في عالم النفط وعلى الدول المنتجة في اوبك وخارجها أن تتعامل مع المتغيرات الجديدة بعناية وواقعية.
نقلا عن اليوم