ماذا تدرس جمعية حماية المستهلك؟

09/08/2015 0
محمد العنقري

قبل أيام قال الرئيس التنفيذي لجمعية حماية المستهلك إن لجنة الرصد والمتابعة في الجمعية باشرت دراسة وبحث ظاهرة عدم تأثر العديد من السلع والخدمات في أسواق المملكة بالانخفاض الذي تشهده الأسواق العالمية.

ومن المعلوم أن مؤشر أسعار السلع الغذائية الذي تصدره منظمة الاغذية العالمية (الفاو) هبط بنسبة 19% في آخر تحديث له قبل شهر قياسا بمستوياته لنفس الفترة من العام الماضي، بينما ما زالت اسعار الغذاء عموما تشكل عامل تأثير سلبي بارتفاع اسعارها على المستهلك النهائي بالمملكة.

فقد ذكر بتقرير الفاو على سبيل المثال ان اسعار الزيوت هبطت 5.5 بالمئة بينما ارتفعت لدينا لذات الفترة حسب تقرير مصلحة الاحصاءات بحوالي 2.4 بالمئة، وبعيدا عن تحليل السلع التي يتناولها التقرير سواء الفاو او مصلحة الاحصاءات، فإن مؤشر تكاليف المعيشة عموما لم يسجل تراجعاً بالمملكة، بل ارتفع، وما يعزز النظرة الى عدم تراجع الاسعار بل حتى ارتفاعها هو اقدام الجمعية على المباشرة بدراسة الاسباب والتوصية بالحلول وان كان رأي المستهلك هو الاهم لانه يلمس تغير الاسعار مباشرة، الا ان اعتراف جهة اعتبارية بان ما يحدث من عدم تجاوب السوق المحلي مع الانخفاضات العالمية التي قالت الفاو بانها عادت لادنى مستوياتها قبل 6 أعوام يدل على وجود خلل في حلقات السوق، يفترض ان تكشفه الدراسة بالادلة الدامغة، بل ان مؤشر تومسون رويترز الذي يقيس اسعار 19 سلعة اتضح باخر تحديث انه تراجع لمستويات 2003 م، واذا نظرنا للدولار نجد بانه ارتفع هذا العام 8 بالمئة، وفي العام الفائت 10 بالمئة وكون الريال مرتبطاً بالدولار بسعر ثابت فطبيعي ان يكون ارتفاعه امام باقي العملات بنفس النسب، ويدل على ذلك انه ارتفع فعلياً بما يقارب 20 بالمئة امام العديد من العملات العالمية قياسا باسعار صرفه امامها قبل اكثر من عام لان بعض العملات تراجعت بنسب اعلى من ارتفاع الدولار، مما يعني بالضرورة مع طول مدة التراجع للعملات امام الريال ان يظهر اثر ذلك بارتفاع القوة الشرائية للريال، وبتراجع الاسعار للسلع المستوردة من تلك الدول، إلا ان شيئاً من ذلك لم يظهر بشكل ملفت، بل اغلب ما انعكس هو ارتفاع بالاسعار حتى لو كان محدوداً لكنه يبقى متناقضاً مع ما يجب ان يكون عليه وضع الاسعار وفقاً لمتغيرات عديدة.

فتراجع أسعار النفط منذ عشرة أشهر والذي يقلل من تكلفة النقل الدولي وكذلك مدخلات الانتاج وتكاليفها عالميا وارتفاع الدولار، بل حتى حملات تصحيح اوضاع العمالة الوافدة محليا التي ادت لعودة اكثرمن مليون ونصف لبلدانهم من المخالفين للانظمة كلها عوامل يفترض ان تقلل التكلفة والطلب مما يعني ان الاسعار يفترض ان تنخفض بنسب تفوق 10 الى 15 بالمئة على اقل تقدير وفق بعض الدراسات التي تناولت اثر المتغيرات على اسعار السلع سواء الغذائية او المركبات وغيرها بأسواق المملكة.

فواقع الاسعار الحالي لابد انه يشير الى ان هناك آليات في السوق وهيكليته تعد السبب الاول لبقاء الاسعار مرتفعة اما باساليب احتكارية او تلاعبات باسعار منشأ البضاعة وعدم وجود جمعيات استهلاكية التي تم اقرار انشائها قبل فترة ليست بالقصيرة حتى يكون هناك تدخل لكسر الاحتكار، وكذلك لابد من النظر باساليب التسويق التي تمرر من خلالها الاسعار المرتفعة فهناك من يقوم بتقديم عروض عن تخفيضات بنسب لا تتعدى 2 بالمئة بينما السعر مرتفع بحوالي 10 بالمئة عن العام الماضي فيكون اخفى ارتفاع 8بالمئة يفترض ان السعر قد انخفض دونه ولن نغوص كثيرا بطرق تمرير الاسعار المرتفعة او سبب تماسكها وعدم تجاوبها مع الانخفاضات العالمية لنتركها لدراسة الجمعية كونها جهة متخصصة وتقوم بذلك حاليا.

الا انه من الضروري التطرق للحلول خصوصا ان وزارة التجارة تكافح اعمال التلاعب والغش بالسوق وتبذل جهودا كبيرة منذ اربع سنوات على اقل تقدير الا ان هيكلة السوق تبدو ضرورية وذلك من خلال خطط تدعم توجه الاستثمارات المؤسساتية المتوسطة والكبيرة لقطاعات التجزئة بدلا من عشرات الالاف للبقالات الصغيرة التي تملأ شوارع المدن بالاضافة الى تحرير السوق تماما امام المستوردين وإزالة كل العقبات التي تحول دون ذلك فقد تقول الوزارة انه لايوجد قيود على الاستيراد او حتى احتكار سلع وخدمات معينة للبعض، لكن بالمقابل فانه لايمكن ان يستورد اي تاجر بعض السلع فلن يكون له القدرة على منافسة اكبر التجار بالسوق المحلي ولعل امثلة استيراد السيارات خير مثال، فالوكالات الكبيرة لن ينافسها احد بسهولة بخلاف ضغوط الوكالات لعموم السلع التعاقدية مع المسوقين المعتمدين، مما يعني ان وزارة التجارة يفترض ان تجلس مع الموزعين والحلقات الاخرى من السوق لتعرف الصيغ التي يتم فيها وضع الاسعار للمستهلك النهائي فحلول مشكلة الاسعار بالسوق لا تقف عند محطة واحدة بل تبدأ من بلد المنشأ الى كل مرحلة تمر بها الى ان تصل للمستهلك مع اهمية دعم الصناعة المحلية بتوسيع قاعدتها وتنافسيتها حتى نقلل من الاستيراد ونخفض بالتكاليف.

نتمنى لجمعية حماية المستهلك ان توفق بدراستها وتكشف كل خبايا السوق، لكن ما يطرح نفسه كتساؤلات مهمة: لماذا لم تقم الجمعية التي اسست منذ سنوات طويلة بعمل دراسات تكشف واقع السوق وتصل الى اي خلل او تلاعب بسهولة؟ وهل هي تبدأ بعمل يفترض انه من اول ما كان يجب ان تقوم به عند تأسيسها؟

وهل دراستها وتوصياتها سيؤخذ بها؟ وهل لها قوة قانونية تسمح لها بالتدخل ومعالجة اي خلل بالسوق لتكون ذراعا قوية تساند عمل وزارة التجارة؟ وهل ستغطي دراساتها كل المناطق التي يفترض ان يؤسس فيها جمعيات مستقلة كحال الغرف التجارية ليكون الاداء والعمل اكثر فاعلية؟ فبقاء الاسعار مرتفعة يعني ارتفاعا بتكاليف المعيشة وضغطا على حياة الاسر وتحميلهم اعباء تؤثر على انفاقهم بامور ضرورية اخرى بخلاف أثره السلبي على الاقتصاد بصفة عامة.

نقلا عن الجزيرة