تسعى كثير من وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية والخاصة للاستعانة بشركات ومؤسسات عالمية متخصصة ولها سمعة عالمية جيدة، لإنجاز الدراسات التي تحتاج إليها، ويبنى كثير من القرارات على توصيات هذه الدراسات العالمية.
ولا أجاوز الحقيقة إن قلت إن هذه الشركات والمؤسسات تدير حياتنا بشكل غير مباشر، من خلال القرارات التي تبنى على توصياتها. للأسف، بعض توصيات هذه الشركات لا تناسب الثقافة السائدة عندنا والأبعاد الاجتماعية التي تختلف من مجتمع إلى آخر.
ومن النكت - وقد تكون حقيقة، لا أدري - توصية أحد خبراء هذه المكاتب بتقسيم موسم الحج ليكون مرتين في العام للقضاء على ازدحام الحشود في مكة في شهر ذي الحجة! كذلك - ومن خبرتي مع بعضهم - فإن بعض هذه الشركات توظف أشقاء عرباً، نظراً إلى كون هذه الدراسات تطلب باللغة العربية، وهؤلاء لا تتجاوز قدراتهم ما يملكه أي طالب دراسات عليا سعودي، ولا أدري لم لا توظف هذه الشركات السعوديين ابتداء؟ ولماذا لا تشترط عليهم «السعودة»؟
الخلاصة، أن هذه الشركات التي توصف بالعالمية تقبض بالعملة الصعبة مبالغ كبيرة لا يحلم بها أي مكتب دراسات سعودي، ولست أحسدهم، ولكنني أحببت التنبيه إلى أن كثيراً من توصياتهم لا تتناسب مع بيئتنا وثقافتنا ومجتمعنا.
وكثير من القرارات التي بنيت على دراساتهم فشلت فشلاً كبيراً، ولا أريد أن أسوق أمثلة، فالأمر واضح. فيا مسؤولينا ويا وزراءنا، لا نستطيع منعكم من التعامل مع هذه الشركات وطلب خدماتهم، ولكن ليقتصر الأمر على تحليل الوضع الراهن والمقارنة بالدول الأخرى، وحين يأتي الأمر إلى التوصيات، فلا أجد أفضل من مثلنا العامي الذي يقول «شاوروهم ثم اعصوهم» (أي لا تطيعوهم، كناية عن ضعف الرأي)، فتعاملوا مع هذه الشركات بهذا المبدأ، فلم نجد من توصياتهم شيئاً مفيداً خلال الأعوام الماضية، وما يصلح لأميركا واليابان وغيرهما ليس بالضرورة أن يكون صالحاً لنا.
- اتضح تأثير انخفاض النفط على الموازنة بشكل طفيف في نهاية العام الماضي، لأن الانخفاض حدث في النصف الثاني من العام، فجنب النصف الأول الجيد الموازنة التأثر الكبير جراء انخفاض شقيقه الثاني.
هذا العام تأثير انخفاض النفط بدأ من بداية العام، ولكن للأسف ولعدم وجود أية بيانات فصلية (ربع سنوية) عن الناتج المحلي والموازنة ودخل البلد وحجم العجز، فليس بإمكاننا الحكم على تأثير الانخفاض على الموازنة والدخل بشكل صحيح حتى ينتهي العام، وتعلن الموازنة رسمياً.
بالتأكيد، غياب الإحصاءات ربع السنوية للأرقام الاقتصادية الكلية يضيع علينا فرصة الإصلاح وتعديل الخط والمسار خلال السنة، ويؤجل حل المشكلات التي يتطلب حلها تدخلاً عاجلاً حتى نهاية العام، وهو ما يجعل بعض المشكلات تتفاقم وتتضخم ويصعب حلها في النهاية بشكل جيد.
فيا وزارة المالية، ويا مصلحة الإحصاءات! ليس من المنطق والمعقول عدم وجود إحصاءات ربع سنوية موثقة عن أداء الاقتصاد والموازنة والدين العام، وبغيابها فإن التخرصات والتكهنات وخبط العشواء هي سيدة الموقف، فهل تتكرمون علينا بما تنشره دول قدراتها أقل مما تملكه المملكة كثيراً؟
- يسوق المرشحان البارزان في أميركا، هيلاري كلينتون وجيب بوش، هذه الأيام وعوداً للناخبين برفع الحد الأدنى للأجور في أميركا، بما يرفع مستوى المعيشة للطبقات المتدنية الدخل.
بالطبع تذكرت أن الحد الأدنى للأجور عندنا هو ثلاثة آلاف ريال، ولا أدري على أي أساس تم تحديد هذا المبلغ.
فثلاثة الآلاف لم تعد تسمن ولا تغني من جوع مع ارتفاع تكاليف الحياة ومستوى التضخم ومستوى الإعالة. ومهما كنت مقتصداً أو متقشفاً فلا يمكنك العيش بهذا المبلغ، وهو أمر لا يحتاج إلى دليل ولا كبير برهان لإثباته.
كل الأمل في وزير العمل الجديد لإعادة حساب الحد الأدنى للأجور عندنا، ليتوازى مع تكاليف الحياة الحقيقية التي تشهدها السوق، وما لم يفعل فلن تفلح كثير من جهوده للسعودة، وستستمر السعودة الوهمية، والعزوف عن الوظائف، فما بني على غير المنطق ستكون نتائجه بالتأكيد غير منطقية ولا مفيدة.
نقلا عن الحياة
الدكتور الربيعان قلم يستحق الاحترام اكثر الله من امثاله