كنت ولا أزال أعتقد أن معالجة قضية الإسكان قد لا تحتاج لإنشاء وزارة متكاملة لهذا الغرض وكنت كتبت في هذه الزاوية أكثر من مرة عن تطلعات لمعالجة القضية الإسكانية بوطننا العزيز وقد وصل بي الحال في فترة من الفترات لاقتراح إلغاء وزارة الإسكان عندما لم يتحقق ما يعالج القضية الإسكانية الوطنية على أرض الواقع خلال فترة زمنية تعد في نظري طويلة وكافية للمعالجة الكاملة أو لشيء من المعالجة على الأقل.. ومثلما ألغت الدولة وزارة الأشغال العامة والإسكان في وقت مضى ولأن الدول والمنشآت الناجحة تعيد هيكلية قطاعاتها بين فترة وأخرى لتلغي وتضيف قطاعات ومؤسسات عامة وهيئات فإنني لا أزال أعتقد بمناسبة دراسة عملية الإلغاء.. وتأتي تلك العمليات التي يطلق عليها "الهندرة" وفقا لدراسات جدوى وتقييم للنتائج المتحصلة من وراء إنشاء تلك القطاعات أو الحاجة لتأسيس أو إلغاء أخرى.
وللتذكير فنحن في هذا الوطن مررنا بتجربتين لم يحالفهما الحظ بالنجاح التام وتحقيق تطلعات حكومة الوطن في معالجة مسألة السكن التي تعد واحدة من أهم القضايا الوطنية التي تسعى الحكومة بقيادة والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمد الله في عمره لسرعة وجدية معالجتها، والمراقب للمبالغ التي تم ضخها في الوزارة مقارنة بحجم الإنجاز يصيبه نوع من الدوار ويتمسك بمقترح إلغاء الوزارة الحالية كما تم في وقت سابق إلغاء الوزارة السابقة (وزارة الأشغال العامة والإسكان) أو العمل السريع وفق جهود وطنية مشتركة للنهوض بأدائها.
وعند التعمق في دراسة مسببات المشكلة الإسكانية تبرز عوامل رئيسية تتمثل في الحصول على الأرض المناسبة والمبلغ الكافي للتشييد وعند قراءة ما تم تخصيصه لوازرة الإسكان من أراض بمساحات ضخمة وما تم ضخه من أموال بحسابات الوزارة فإننا نستغرب من استمرار وجود المشكلة الإسكانية بنفس الحجم بل ربما بتصاعد مستمر.
وعند النظر في تجربة صندوق التنمية العقاري المتميزة والتي تعد واحدة من أبرز برامج الوطن التنموية يدرك يقينا أن هذا الصندوق بشيء من الدعم التنظيمي والمالي يمكنه العمل بجدارة على معالجة القضية الإسكانية الوطنية فمن الناحية التنظيمية لو تم تحويله إلى بنك إسكاني أو مؤسسة عامة ذات صلاحيات مرنة في تقديم القروض وتنمية الموارد واستثمارها مع دمج البنوك والصناديق الحالية معه كبنك التسليف والادخار وصندوق التنمية الصناعية بحيث يكون "بنكا للتنمية الوطنية" يشمل ضمن مجالات عمله الاستثمار الربحي البحت للموارد والإقراض للمواطن في مجال الإسكان والصناعة والتنمية الاقتصادية العامة ومن الناحية المالية لو تم تحويل جميع أموال الصناديق والبنوك المدمجة معه إضافة إلى ضخ مليارات وزارة الإسكان التي سبق الإعلان عنها لتحقق في وطننا نمو مجتمعي يرتكز على معالجة المسألة الإسكانية والكثير من الشؤون الاقتصادية.
لو تم مثل هذا التوجه فإن قضايا كثيرة تتعلق بالمسكن والنمو الاقتصادي يمكن معالجتها بشكل إيجابي يساهم بفاعلية في تنمية المجتمع المحلي ولعل من مجالات معالجة القضية الإسكانية أن تبادر الحكومة مشكورة بتأسيس شركة وطنية عامة للإسكان والتطوير العقاري يكتتب المواطن فيها بالإضافة إلى مشاركة الدولة من خلال صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسات العامة الأخرى كالمؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وتعمل هذه الشركة على استلام الأراضي المتاحة كمنح من الدولة لها ثم تعمل على تشييد مجمعات سكنية مناسبة للمواطن يتم العمل على بيعها من خلال برامج التقسيط المريح للمواطنين وفق قواعد وتنظيمات معينة أهمها عدم وجود عقارات يمتلكها المواطن بحيث تكون الأولوية الحالية للمواطن المحتاج للمسكن مع أهمية عدم التوجه فقط للمجمعات السكنية الضخمة لما لذلك من أضرار مستقبلية سواء في المجالات الأمنية أو الاجتماعية لكن التوسع في تشييد مجمعات سكنية محدودة حسب الأراضي المتاحة داخل مدن وقرى المملكة سيساهم بفاعلية في تقديم معالجات إسكانية إيجابية.
وعندما تضع الحكومة مشكورة قضية الإسكان كقضية وطنية أساسية فإن على كافة القطاعات الحكومية الأخرى المساهمة فيها ولعل من أبرز المجالات التي أثبتت التجارب نجاحها تشييد القطاعات الحكومية لمجمعات سكنية لموظفيها ولعل الجامعات ومؤسسات الدولة العامة وعدد من القطاعات الصحية قد حققت كثيرا من الإيجابيات في هذا الخصوص فلماذا لا يتم توجيه كافة القطاعات الحكومية للعمل على توفير مساكن لموظفيها كما هو الحال في عدد من تلك القطاعات.
كما أن إصدار قرارات تسمح بتعدد الأدوار للمباني السكنية للمواطنين لتصل إلى أربعة أو خمسة أدوار سيعمل على تخفيض تكلفة الأرض على المواطن وسيزيد من عدد الوحدات السكنية ليحقق مكاسب وطنية يتمثل أبرزها في المساهمة في معالجة القضية الإسكانية وتحقيق نوع من الاستقرار للأسرة السعودية التي من الممكن أن تجتمع بمبنى واحد حتى وإن تزوج عدد من أفرادها (كما كان سابقا) ويمكن معالجة خصوصيتنا من خلال منع وجود نوافذ على الجيران في الأدوار العلوية مع الاستعاضة عنها بنوافذ على منور وسط المبنى تحدد البلدية مساحته.
وأخيرا فإنني أعتقد ان توجيه كافة الاستثمارات الحكومية المحلية التابعة للقطاعات الحكومية مثل المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية وصندوق الاستثمارات العامة والأوقاف وغيرها من القطاعات الأخرى لتشييد مجمعات إسكانية يضاف إلى ذلك تحفيز القطاع الخاص (المعتدل) للمساهمة في هذا المجال الحيوي تحت إشراف الدولة سيساهم في معالجة المشكلة الإسكانية لترحل من ذاكرة المواطن السعودي إلى الأبد وهذا ما نتمناه ولا أعتقد بصعوبة تنفيذه .. ودمتم.
نقلا عن الرياض
كلام عاقل ولكن من يسمع