المعروض من النفط في تزايد مستمر، وأسواق النفط بكل فروعها غارقة بالفائض منه. وزيادة المعروض تفوق نسبتها ارتفاع الطلب العالمي. هذه هي الحال الآن، وستبقى الأسعار عند معدلاتها الحالية من دون ارتفاع حتى نهاية الربع الثاني من العام المقبل على أقل تقدير، طالما أن الإمدادات في تزايد، وطالما النمو في الطلب على النفط يقلّ عن مليوني برميل يومياً.
ولا تزال «أوبك» تنتج أكثر من سقف الإنتاج الحالي المتّفق عليه، فالسقف يساوي 30 مليون برميل يومياً، فيما الإنتاج يبلغ 30.3 مليون. ويُرجَّح أن ترفع المنظمة من إنتاجها خلال أشهر الصيف الثلاثة، لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء والماء، خصوصاً أثناء رمضان المبارك.
وترغب دول المنظمة كلّها، في الحفاظ على حصصها وأسواقها، وأن تتحسّب لوصول النفط الإيراني الى الأسواق بعد إلغاء الحظر الاقتصادي والنفطي الغربي على طهران، في حال التوصّل إلى اتفاق إيراني - غربي على برنامج طهران النووي.
وقد تريد المنظمة أن تمنع قدر الإمكان، منافسة النفط الأكثر كلفة من مواصلة إنتاجه حتى إشعار آخر، حتى وإن دفعت باتجاه خفض في أسعار البرميل العالمية.
كان معدل الإنتاج العالمي من النفط عند 91.3 مليون برميل يومياً العام الماضي، في مقابل 92.5 مليون هذا العام. والإنتاج في تزايد.
في هذه الأثناء، انخفض معدل النمو الاقتصادي العالمي من ثلاثة في المئة في بداية السنة إلى 2.8 في المئة الآن، وهو مستوى مرشّح للاستمرار حتى نهاية السنة.
وتزايد إنتاج النفط الأميركي ليبلغ 12.7 مليون برميل يومياً الآن، بزيادة 800 ألف برميل عن العام الماضي. ويصحّ الأمر نفسه تقريباً بالنسبة إلى المنتج الأكبر الآخر، روسيا. وانخفض إنتاج النفط من الدول خارج «أوبك» بمقدار 160 ألف برميل يومياً، فيما زادت المنظمة إنتاجها بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً.
هذه الأرقام بحدّ ذاتها تعبّر عن صعوبة تحسّن أسعار النفط وسط هذا الكم الهائل من الفائض، ومن الزيادة المستمرة والمقبلة من الخليج العربي، ومن شمال أفريقيا - ليبيا تحديداً -، ومن المنتجين الآخرين من خارج المنظمة النفطية.
لكن في الوقت نفسه، إن أرادت «أوبك» فعلاً أن تتحسن أسعار النفط عن المستوى الحالي، فما عليها سوى الإعلان عن خفض الإنتاج من طرف واحد، فتلتهب الأسعار مرة أخرى لكن لن تتجاوز على الأرجح 90 دولاراً.
بيد أن الخطوة ستعني تضحية كبيرة من المنظمة بحصصها السوقية، ودعوة مباشرة إلى منتجي النفط الأعلى كلفة لمواصلة الإنتاج وزيادته ومنافسة المنظمة وخسارتها أسواقها التقليدية، بما قد يؤدي حتى إلى إغلاق أسواق أميركا أمامها مثلما يحدث الآن مع منتجي النفط الخفيف من دول أفريقيا.
يكمن الحل الأمثل في تحقّق زيادة في معدل النمو الاقتصادي في كلّ من الهند والصين، لزيادة النمو التجاري العالمي، وزيادة الطلب العالمي إلى ما فوق مليوني برميل يومياً، لامتصاص الفائض من النفط وإبقاء كبار منتجي النفط معدلاتهم الإنتاجية من دون زيادة، لخلق نوع من التوازن الدائم في الأسواق النفطية ولو إلى حين.
لكن هذا في حاجة إلى من يقود الأسواق النفطية، قبل أن يأتي دور «أوبك» في القيادة مرة أخرى.
ومن دون طلب كبير على النفط ليمتصّ الفائض الموجود في الأسواق، ومن دون إدارة تنظّم الأسواق النفطية، سيظلّ الوضع على ما هو عليه. ومن دون معجزة اقتصادية لتحسين العجلة وتسريعها، سيبقى النفط دون 70 دولاراً للبرميل لفترات غير قصيرة.
نقلا عن الحياة