يعرف التضخم بأنه زيادة في المستوى العام للأسعار أو انخفاض القوة الشرائية للعملة، فينتج عن ذلك أن كل وحدة نقدية تشتري قدرا أقل من السلع والخدمات، ولذلك فإن أصحاب الدخل الثابت دائما ما يحملون نظرة سلبية للتضخم، ولكن على الرغم من ذلك، فإن البنوك المركزية حول العالم -المسؤول الرئيس عن المحافظة على القوة الشرائية وصحة الاقتصاد عن طريق السياسية النقدية- باتت تستهدف الإبقاء على معدلات تضخم متدنية، على الرغم من إمكانية المحافظة على المستوى العام للأسعار ثابتا أو حتى دفعها للانخفاض، فلماذا تعمل سياسات البنوك المركزية بشكل يظهر منه أنه ليس في مصلحة عموم المواطنين؟.
يعتقد قطاع عريض من الاقتصاديين في هذه الأيام أن التضخم ليس كله مضرا، فبعض من التضخم اليسير ضروري لتحفيز النمو، فالتضخم هو ما يدفع أصحاب رؤوس الأموال لاستثمارها في أصول عقارية أو أوراق مالية للمحافظة على القوة الشرائية لرأس المال، ما يحفز البيئة الاستثمارية، ولكن يجب التفريق بين أنواع التضخم، فارتفاع الأسعار الناجم عن انخفاض مفاجئ في عرض سلعة أو خدمة ما يدفع المستهلكين للتدافع على طلب عدد محدود من السلع، وتكون النتيجة وصول كمية أقل من السلع إلى المستهلكين بأسعار أعلى، أما ارتفاع الأسعار الناتج عن زيادة الطلب فإنه يدفع الأنشطة الاقتصادية لزيادة الانتاج وبالتالي تعظيم الربحية.
علينا أن نفهم مسببات هذا التضخم اليسير المفيد للاقتصاد والمحفز لزيادة الانتاجية، فعندما يكون نمط المستوى العام للأسعار يتجه للارتفاع فإن الموظف صاحب الدخل الثابت سيسعى لزيادة دخله عن طريق المطالبة بأجر أعلى، وحتى يتمكن من الحصول على هذا الأجر الأعلى فإن عليه بذل المزيد من الجهد لرفع كفاءة إنتاجيته، الانتاجية الإضافية ستعمل على زيادة العرض، ولكن في نفس الوقت، فإن السوق يتفاعل مع الأجور الإضافية المدفوعة للموظفين، فتستمر الأسعار في الارتفاع؛ الأمر الذي يدعم توسع الاقتصاد بشكل مستمر،
ولذلك فمن الممكن القول إن التضخم اليسير هو الحالة الأكثر كفاءة للاقتصاد، فأسوأ أمراض الاقتصاد وأشدها فتكا به هو الاحتكار، وكما أن التضخم العالي يدفع أصحاب السلع والأصول المطلوبة لمنعها عن السوق لقناعة ملاكها أن أسعارها ستزيد في المستقبل، فإن انخفاض مستوى الأسعار العام أو الانكماش يدفع أصحاب رؤوس الأموال للاحتفاظ بالعملة النقدية، لعلمهم أن الوحدة النقدية ستشتري قدرا أكبر من السلع والخدمات في المستقبل.
نقلا عن اليوم