«كل يقرب القرص الحار»، لا أدري لماذا صدحت هذه العبارة في ذهني أثناء استماعي لمطالب بعض الصناعيين لدعم الصادرات السعودية، التي عُرضت في لقاء الصناعيين في غرفة الشرقية الذي عقد الاثنين المنصرم (19 مايو)، حيث تركزت المطالبات تحديداً في سبع نقاط: خصم نسبة من إجمالي الرسوم الحكومية المستحقة على الشركات التي تُصدر، الغاء رسوم الموانئ المفروضة على الصادرات، تخفيض تعريفة الكهرباء على الشركات ذات الأنشطة التصديرية، تخفيص رسوم تخصيص وإيجار الأراضي الصناعية للمصانع في حال توسعها في الصناعات ذات الأنشطة التصديرية، تخفيض رسوم قرار المقابل المالي للعمالة الوافدة (2400 ريال) للمصانع ذات الأنشطة التصديرية، منح المصانع ذات الأنشطة التصديرية مزايا في تطبيق برنامج نطاقات، قيام هيئة المدن الصناعية بإنشاء مناطق تشجيع الصادرات تستهدف إنشاء صناعات موجهة للتصدير، التوسع في برامج تمويل وضمان الصادرات.
والسؤال: أين ذهبت اشتراطات المحتوى المحلي وتنمية القيمة المضافة الصناعية المحلية، وأهم أركانها الركون للعمالة المواطنة، بمعنى أن المطالبة بالنقاط السبع يجب أن يقوم على شرط تحقيق حد أدنى للمحتوى المحلي، وأن تتصاعد المزايا مع تصاعد نسبة المحتوى.
هناك من يقارننا بدبي، لكن المقارنة صناعياً لا تصح، فدبي لا تسعى لخلق وظائف بل لاستقطاب استثمارات، وتلك سياسة ملائمة لها؛ بالنسبة للاقتصاد السعودي، فإن خلق وظائف قيمة وشغلها بمواطنين ومواطنات هو أحد مرتكزات اعتبار التصنيع توجهاً استراتيجياً لتنويع اقتصادنا.
وليس محل جدل حول أهمية تحولنا لاقتصاد صناعي، تساهم الصناعة بما يتجاوز 20 بالمائة من ناتجه المحلي الاجمالي (حالياً 13.5 بالمائة)، لكن كيف سيتحقق ذلك إن لم نحرص على تنمية المحتوى المحلي؟ وكيف ستتنامى المساهمة المحلية بدون مشاركة متزايدة للموارد البشرية المحلية؟ الصناعة التحويلية لن توفر مئات الآلاف من الوظائف، لكنها ستوفر وظائف مغرية للمواطنين والمواطنات مقارنة بوظائف قطاع التشييد والبناء.
وتجدر الاشارة أن الصناعة التحويلية تُشغل حالياً أقل قليلاً من مليون شخص، نحو ربعهم من المواطنين.
هذه النسبة نريد لها أن تتصاعد، ليصبح لدينا مجتمع صناعي ماهر، ولن يتحقق هذا الأمر بين يومٍ وليلةٍ، لكن علينا أن نتجه لتحقيق تطلعاتنا بامتلاك ناصية الصناعة من خلال مواردنا البشرية، فلن نتحول لمجتمع لاقتصاد صناعي بتصدير البتروكيماويات السلعية، ولا باستيراد أحدث التقنيات، ولا بعقد شراكات مع مستثمرين أجانب، رغم أهمية كل ذلك، لكن المحك والشرط الحرج لتحقيق التحول لاقتصاد صناعي هو توفير المزيد من الموارد البشرية المواطنة لقطاع الصناعة.
إذاً الكلمة السحرية لنصبح اقتصاداً صناعياً ليست «التصدير» بل «التوظيف». هناك من لا يدرك أن المملكة من أنشط دول العالم تصديراً، فنحن نصدر النفط لعقود، لكنه نفط خام، بمعنى أن المحتوى المحلي فيه متدن، فهل نريد أن نواصل تنمية صادرات متدنية المحتوى المحلي، هي أقرب لتصدير المواد الخام منها للمنتجات الصناعية؟!
ثم اتخذت المملكة في السبعينيات خطوة ذكية بالتوجه بقوة لإقامة صناعات أساسية، وكان توجهها استراتيجياً متكاملاً، وحققت نجاحاً مشهوداً، لكننا لم نتمكن من الانتقال بذات الزخم لتنمية الصناعات التحويلية، فأخذنا نصدر، ونتوسع في تصدير، البتروكيماويات السلعية.
ولابد من القول إن الجميع كان يتحدث طوال الوقت، وعلى مدى عقود، عن أهمية تحقيق اختراق نوعي للصناعات التحويلية القائمة على البتروكيماويات الأساسية، ورغم أننا توسعنا لكن الاختراق النوعي لم يحدث حتى الآن.
ما نحتاج له «سوابك» متخصصة يساندها توجه استراتيجي متكامل، وفي هذا المجال لابد من النظر بكثير من الاعتداد لمبادرة أرامكو السعودية المتمثلة في شراكتها مع شركة داو العملاقة، ولا بأس من استنساخ تلك التجربة وتطويرها، بل وجعلها مرتكزاً لإنجاز مبادرة وطنية رائدة لتعظيم «المحتوى المحلي» تقوم على خلق فرص عمل صناعية قيمة للموارد البشرية السعودية.
نقلا عن اليوم
بالمقابل إن تعطيل الصناعة في المملكة بحجة التوطين ليس حلاً مناسباً.