يتسبب انخفاض اسعار النفط في كل حقبة زمنية بإضعاف بعض شركات الطاقة مما يغري الشركات العملاقة بالاستحواذ عليها والحصول على ما تملكه من احتياطيات من نفط وغاز وعلى ما تملكه من اصول وتقنيات.
ولاشك ان انخفاض اسعار الطاقة يفاقم مشاكل الشركات التي تعاني من مشاكل اخرى، وتبدأ بعد ذلك اسعار اسهمها بالانخفاض.
وعلى سبيل المثال تعد صفقة استحواذ شركة اكسون على موبيل في العام 1998م اكبر صفقة في عالم النفط والغاز حيث وصلت قيمتها الى 117 مليار دولار.
ولقد سجلت اسعار النفط في العامين قبل هذا الاستحواذ الشهير (عام 1996 وعام 1997م) حوالي 20 دولارا للبرميل.
وهبط معدل اسعار النفط في عام 1998م الى حوالي 11 دولارا للبرميل (اي انخفاض بحوالي 40-50%) مما ساهم بحصول هذا الاستحواذ والذي كان لاسعار النفط الدور الاكبر بدفع مثل هذه العمليات.
وتأتي في المرتبة الثانية صفقة استحواذ شركة بريتش بتروليوم على اموكو في نفس العام (1998م) وكانت بحوالي 85.4 مليار دولار.
وبعدها بعام استحوذت شركة توتال فينا على شركة الف اكواتين بحوالي 81.5 مليار دولار.
ويشهد العالم حالياً انخفاض اسعار النفط والغاز الطبيعي المسال بحوالي 50% عن مستويات منتصف العام الماضي، وهذا ما شجع بحدوث رابع اكبر صفقة استحواذ بتاريخ النفط والغاز.
فلقد وافقت شركة شل البريطانية/الهولندية العملاقة قبل ايام على شراء مجموعة بي جي البريطانية لصناعة الغاز المسال وتسويقه بمبلغ 70 مليار دولار.
وتعد هذه اول صفقة من هذا النوع بعد انخفاض اسعار النفط في اواخر العام الماضي. وتعتبر هذه الصفقة وصفقة استحواذ شركة هاليبرتون على شركة بيكر هيوز في العام الماضي بحوالي 35 مليار دولار اخر اكبر صفقتي استحواذ في عالم النفط والغاز منذ ثلاث سنوات.
قبل الاعلان عن استحواذ شل على بي جي كانت القيمة السوقية لشركة شل حوالي 202 مليار دولار وقيمة بي جي 46 مليار دولار واكسون 360 مليار دولار وبذلك تصبح شل ثاني اكبر شركة للطاقة في العالم الغربي بقيمة سوقية تقارب 250 مليار دولار.
ويبدو ان شركة بي جي (ثالث اكبر شركة طاقة في بريطانيا) كانت تعاني من عدة تحديات مثل الصعوبات التي واجهتها بسبب هبوط اسعار الغاز المسال بحوالي 50% والمتاعب التي تعاني منها في مصر بسبب حاجة مصر لغازها الطبيعي وعدم قدرة بي جي على تصديره بالاضافة الى وضعها بالبرازيل حيث تعاني شريكتها البرازيلية بتروبراس من فضائح فساد ومحاكمات.
ويعد الغاز الطبيعي من مصادر الطاقة النظيفة ويتوقع ان ترتفع كميات استهلاك الغاز الطبيعي المسال من 243 مليون طن سنوياً حالياً الى اكثر من 400 مليون طن سنوياً بعد عشر سنوات.
وستصبح حصة الشركة الجديدة شل- بي جي حوالي 20% من الانتاج العالمي الحالي من الغاز الطبيعي المسال.
والاكيد ان شركة شل مهتمة جداً بصناعة الغاز المسال وتحاول ان تجد لها موطئ قدم من خلال هذا الاستحواذ في عدة مناطق من العالم حيث تنشط شركة بي جي مثل شرق افريقيا والبرازيل وتزيد حصتها في مشاريع الغاز المسال الاسترالية.
والجدير بالذكر ان شركة غاز بروم الروسية تعتبر اكبر منتج للغاز بالعالم بحوالي 46 بليون قدم مكعب باليوم ويأتي بعدها شركة النفط الايرانية الوطنية بحوالي 18 بليونا ومن ثم يأتي كل من شركة شل-بي جي الجديدة وارامكو السعودية وشركة اكسون موبيل وقطر للبترول بحوالي 10 بلايين قدم مكعب باليوم لكل واحدة.
وبهذا فان هذا الاستحواذ جعل من شركة شل ثالث اكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم واكبر شركة عالمية من حيث انتاج النفط والغاز وثاني اكبر شركة عالمية في النفط والغاز بعد اكسون من حيث القيمة السوقية.
وهذا يدل على ان الشركات العملاقة ترغب بشراء الشركات المتعثرة والاستحواذ على احتياطياتها واصولها بدل العناء باستكشاف وتطوير حقول جديدة.
والاكيد ان تعثر بي جي جعلها ضعيفة وغير مستقرة مما سيغري ملاكها بقبول عرض شل.
ولاشك ان قوة بي جي الكامنة بامتلاكها احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي واسطولها الكبير من ناقلات الغاز المسال ومصانع تسييل الغاز ستكون اضافة لصناعة الغاز وتسويقه بشركة شل.
ولقد جعل هذا الاستحواذ من شل شركة يطغى فيها الغاز على النفط وسيعني هذا الاستحواذ على ان صناعة الغاز الطبيعي قد اضحت اكثر جاذبية لشل من صناعة النفط او البتروكيماويات.
وفي الختام ارتفعت اسعار النفط بعد استحواذ اكسون على موبيل وبريتش بتروليوم على اموكو بعام وهذا ما ساعد هذه الشركات على النجاح والمضي قدما.
وهذا يشير الى انه لو استمرت اسعار الطاقة من نفط وغاز مسال بالانخفاض وحتى 2016م فهذا بكل تأكيد سيجعل شل في وضع لا تحسد عليه بعد دفعها 70 مليار دولار.
وعليه يمكن الاستدلال من هذا الاستحواذ ان شل تراهن على ان اسعار النفط سترتفع قريباً الى مستويات 80-90 دولارا للبرميل.
ولكن لو استمرت اسعار الطاقة بالانخفاض قد نشهد استحواذاً تاريخياً اخر مثل الاستحواذ من احدى الشركات العملاقة على بريتش بتروليوم التي تعاني من بعض الصعوبات.
نقلا عن اليوم
سلم قلبك وقلمك الدكتور الموفق سليمان الخطاف. مقال دسم وخصب وشيق. ياليت قومي يعلمون.
مقققققال رائع