دُعيت قبل أيام للحديث عن الاقتصاد السويدي في ظل الأزمة الدبلوماسية مع المملكة، وبحكم تخصصي وعملي في بروكسل لفترة ليست قصيرة كمحلل مالي في أحد البنوك البلجيكية كان لي اطلاع ومتابعة لاقتصادات أوروبا وهيكلتها التنظيمية من نقابات ومشرّعين وأنظمة ضريبية، حيث أحيا ذلك الموضوع ذكريات كثيرة لي، حيث كنت أتذكر وزيرة الخارجية السويدية (مارغوت فالستارن) عندما اختيرت أكثر شخصية نسائية محبوبة هناك عام 2006، وكانت المرشح الأبرز لرئاسة حزبها (الحزب الديمقراطي الاجتماعي) أحد أهم الأحزاب السويدية لولا اعتذارها وتفرّغها للعمل الدبلوماسي في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وأشاد بها كثيراً أمين عام هيئة الأمم المتحدة (بان كي مون) حيث لم تكن تسعى للزعامة لكن كانت تبحث دائماً عن الجماهرية.
السويد أيضاً دولة المؤسسات الصناعية والعامل المدلل، العامل السويدي هو أعلى العمال أجراً قياساً بالدول المجاورة، والنقابات العمالية قوية وأكثر تنوعاً وتخصصاً، حيث السويد أيضاً ليست دولة العمال المدللين فقط بل والموظفين، حيث نسبة المنتسبين من موظفين إلى النقابات من تخصصات مختلفة تتجاوز في نسبتها نقابات العمال، والسبب أن نسبة القوة العاملة السويدية تتجاوز نصف عدد السكان، وبفضل الموارد الطبيعية خصوصاً المتجددة مثل الأخشاب والأوراق ازدهرت الصناعة وتشكّل مجتمع عمالي مؤثر، ولكن مع السنوات وتطور التقنية أصبح أغلب الموظفين هم في قطاع الخدمات، ولكن لا تزال القوة العاملة في القطاع الصناعي تشكل 30% من مجموع القوة العاملة وتشكّلت ثلاث نقابات مهمة: (lo) وهي موالية لحزب وزيرة الخارجية، بعكس نقابتي (tco) و(saco) وهما نقابتان بدون ولاء سياسي وصار لهما تأثير سلبي على حزب وزيرة الخارجية.
كانت السويد الحلم للاقتصاد الأوروبي كدولة رأسمالية بحقوق اجتماعية مثالية ونسبة بطالة محدودة أقل من 4% حتى أزمة عام 91م التي أيقظت الجميع من هذا الحلم وأضعفت الأحزاب اليسارية (على رأسهم حزب الوزيرة) لصالح اليمينية، وأصبح حزب الديمقراطية الاجتماعية حساساً بشكل طردي مع الأحداث الاقتصادية السلبية.. واليوم السويد مع مشاكل منطقة اليورو - التي تشكل سوقاً لحوالي 32% من صادراتها - تنظر بقلق زادته وزيرة خارجيتها التي تحدثت دون أن تراعي بأن الشرق الأوسط يشكل 16% من مجموع صادراتها.
وهنا النقد ضدها في السويد بأن العمل السياسي هو عمل جماعي وليس فردياً لحصد نجومية على حساب المصالح العامة والتنمية، الملك السويدي يفكر في التدخل للمصالحة، وأحد مديري المراكز البحثية الكبار يصف وزيرة الخارجية بالمشكلة.
في رأيي المتواضع بأن الخلاف السعودي السويدي عرضي وسوف يتلاشى بفضل الوعي المشترك الأوروبي والسعودي بضرورة وسلامة العلاقات الدولية لاستمرار التبادل التجاري والتنمية، ولكن سكرة الشهرة وحب النجومية هما ضعف إنساني يصيب أرقى المجتمعات في أرقى المناصب؛ كما أصابها.
نقلا عن الرياض
مقال مميز من شخص مميز وهو عين الصواب ونحن ننتقدهم يوميا ونلعنهم على المنابر ولم يهددوا والدول الاسكندنافيه من اكبر الدول المانحة في العالم ولدول اسلامية