تتعد الصيغ وتتفاوت الحلول، لكن وزارة الإسكان لن تستطيع التصدي لحل أزمة السكن بمفردها، كما أن حل الأزمة لن يستطيع الاستمرار إذا ما استبعد القطاع الخاص من المساهمة فيه، فالقضية أكثر من مجرد توفير أرض وتمويل البناء بتقديم قرض؛ بل أن يستمر ذلك طوال الوقت دون توقف.
عند انشاء صندوق التنمية العقارية كانت تلك هي الصيغة، لكنها لم تصمد لتقلبات الزمن، فتراكمت طلبات القروض وتكدست، فأخذت فترات الانتظار تتمدد، حتى تجاوزن العقد من الزمن، مما أفرغ الحل من مضمونه، وأدى إلى كبح الطلب والحد من العرض في آنٍ معا، وبالتالي أصبح المجتمع وجهاً لوجه أمام أزمة السكن التي نعايشها حالياً ومنذ سنوات.
ويبدو أن هناك جهودا متناثرة هنا وهناك، لكنها لم ترق بعد لتشكل حُزمة متماسكة، فقبل نحو عام ونصف العام أعلن عن آلية استحقاق السكن.
الآلية خالية من الغموض فبوسع أي منا أن يحسب بنفسه عدد ما يستحق من نقاط، ولم يرتكز احتساب النقاط إلى عنصر واحد، بل مَثلَ حلاً لمعادلةٍ متعددة الحدود والمجاهيل هدفها منح الفرصة أولاً للأكثر حاجة دون استبعاد للبقية.
وبطبيعة الحال، فالآلية قابلة للتحسين وفقاً لما سيتمخض عنه تطبيقها على أرض الواقع. وعندما نأخذ الآلية ومعها الزيادة الكبيرة في عدد قروض صندوق التنمية العقارية، إضافة لانفتاح الصندوق مؤخراً على خيارات تمويلية مرنة ستؤدي لزيادة عدد المستفيدين، وفوق ذلك دخول نظم التمويل والرهن العقاري حيز التنفيذ.
فقد أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) قبل عام ونصف العام كذلك عن منحها أول ترخيص لممارسة التمويل العقاري لبنك الرياض.
عندما نأخذ تلك العناصر سوياً، نجد أنها تميل للجانب التمويلي، أي للقرض، فماذا عن توفير قطع كافية من الأرض المطورة لإقامة مسكنٍ عليها في كل بقعة مأهولة من المملكة دونما استثناء؟ لتطوير المزيد من الأراضي، قررت وزارة الإسكان الاستعانة بمقاولين لتجهيز البنية التحتية والمرافق للأراضي التي تمتلكها، وهذا أمر سيوفر - لا شك - المزيد من الأراضي الصالحة.
والسؤال: هل تتوافر الأراضي في مدن وبلدان وقرى وهجر المملكة كافة؟ فإن كانت الاجابة "لا"، فلماذا لا "تتشارك" الوزارة - ولا أقول "تتقاول" - مع القطاع الخاص لمساندتها في تحقيق هدفها وهو توفير المزيد من المساكن والأراضي المطورة ؟
لنبدأ بالأراضي، يملك تجار العقار في شتى أنحاء البلاد مئات الملايين من الأراضي البيضاء بعضها ضمن النطاق ومنها ما هو خارج النطاق العمراني، وبوسع الوزارة أن تضع صيغة شراكة متعددة الخيارات تحفز القطاع الخاص وتجعله يتنافس لتطوير الأراضي البيضاء التي يمتلكها.
ومثال لتلك الصيغ أن تقوم الوزارة بتحمل كل أو جزء من تكاليف تطوير البنية التحتية وتوفير المرافق للأراضي التي يملكها القطاع الخاص مقابل حصول الوزارة على جزء محدد من تلك الأراضي لتوزعها على المستحقين، وبوسع الوزارة كذلك تعميق الشراكة لتشمل التطوير العقاري (أي بناء المساكن) وفقاً لمعايير محددة تجعلها قابلة للتمويل وفقاً لصيغة أرض وقرض.
ما تقدم كان مجرد أمثلة عابرة، أما الصيغ المحتملة بين الوزارة والقطاع الخاص فتتعدد وفق أولويات الوزارة واهتماماتها.
وبغض النظر عن تفاصيل الصيغ التي قد تقبلها الوزارة، فبيت القصيد هو توفير عدد كاف من الأراضي مهيأة للسكن في كل أنحاء المملكة في القريب العاجل دونما استثناء عبر جهود الوزارة المباشرة من خلال ما تطرحه من مبادرات لتطوير الأراضي، وعبر تحريك مخزون الأراضي لدى القطاع الخاص لتطويرها وإتاحتها في إطار شراكة مع الوزارة.
ولعل من الملائم القول: إن ما قد يوجد توازناً في سوق الاسكان المحلية هو تعزيز وتيرة العرض في الخيارات وللشرائح كافة، لا سيما الخيارات الاقتصادية من أراضي وفلل ودبلوكسات وشقق، وحيث إن سوق السكن محلية بطبيعتها، أي أنها تتافوات من بلدة لأخرى ومن مدينة لسواها، فلن تفيد وفرة المساكن في مدينة ما في علاج ندرتها في مدينة أخرى.
نقلا عن اليوم