قضينا في كل سانحة، سواء أكانت منح "الراتبين" أو قدوم شهر رمضان المبارك أن نتحدث عن التلاعب بالأسعار، وكيف أنها ترتفع -فيما يبدو- حسب الرغبة حتى يكاد أن يراودك شعور أن السعر لا يخضع لقوى العرض والطلب بل لقوة الطمع والجشع. السؤال:
هل سنستمر على هذه الوتيرة؟ ولماذا لا نتدبر الأمر من الآن؟ هناك من يظن أن العنصر الأهم في ضبط الأسعار هي الرقابة، لكن يمكن الجدل أن العنصر الأكثر تأثيراً هو المعلومات بمعنى أن امتلاك المستهلك للمعلومة سيجعله يتخذ قرار الشراء عن وعي، أما ما يحدث حالياً فهو أن المستهلك يدخل السوق في حالة "غياب عن الوعي" غير ملم بمستوى الأسعار، ولذلك يشتري وهو غير متيقن، لكنه تحت ضغط الوقت والحاجة يقدم على الشراء إذعاناً وليس اقتناعاً.
وحالة عدم الاطمئنان لدى المستهلك لا يمكن أن تترك هكذا، والحلول متاحة وعلينا تنفيذها أو أحدها؛ حتى لا تصبح أسواقنا ملاذاً للجشعين وحتى لا تصبح جيوب المستهلكين نهباً للشطار.
والمقترح المحدد:
اللجوء لبث المعلومات عن أسعار السلع الأساسية التي تشملها السياسة التموينية المعلنة للمملكة، والتي تقوم على انتهاجها وزارة التجارة، والبث يتحقق بالقنوات التقليدية عبر الاذاعة التقليدية وغير التقليدية مثل مواقع الانترنت وتطبيقات الهواتف الذكية والتطبيقات المرتبطة بالإنترنت.
وهكذا، نجد أننا ندور في حلقة تكاد أن تكون مفرغة ترتبط بالسلع الاستهلاكية وحقوق المستهلك سعراً وجودة. ومع الاقرار أنه ليس بالإمكان القضاء قضاءً مبرماً على هذه الممارسات، لكن لا بد من مواكبتها، لعل من الملائم التفطن لنظام الوكالات ووكالاتهم الحصرية، إذ أن بعضهم يسيطر على آلاف السلع والخدمات، وبذلك يضع السعر الذي يرغبه هو، وهذا يتضح من مقارنة ما ندفعه مع ما يدفعه المستهلكون في البلدان الأخرى.
القصد، أن على وزارة التجارة -من خلال مجلس حماية المنافسة- دراسة وضع الوكالات التجارية بعمق ومدى سيطرة مجموعة صغيرة من التجار عليها، وعندما أقول مجموعة صغيرة فالقصد هنا عدد لا يزيد عن العشرة، بمعنى ان نطاق الدراسة المطلوبة محدد:
من هم التجار الذين يسيطرون على 80 بالمائة من وكالات السلع الأساسية؟ ومدى جدوى تقنين آليات لكسر الطوق، كإنشاء شركات تقتسم تلك الوكالات فيما بينها؛ حتى لا يصبح قرار مأكل ومشرب المستهلك بيد تاجر أو اثنين، باعتبار أن الحل هو عبر تمكين المنافسين من دخول السوق.
ولعل من الملائم إدخال التعديلات الضرورية على نظام حماية المنافسة وعلى السياسة التموينية لنتخلص مما نحن فيه من استغلال وسط غياب معلومات السعر وشيوع الممارسات غير التنافسية التي لا تضبط؛ نتيجة لتركز توكيلات السلع في يد مجموعة صغيرة من التجار.
وأختم بالقول إن الخطوات التي اتخذتها وزارة التجارة والصناعة عبر إطلاق تطبيق على الجوالات الذكية للإبلاغ عن المخالفات، والذي تبين أن له تأثير إيجابي على طمأنة المستهلكين وردع الجشعين من التجار والموردين الذين لا يقومون بتوفير قطع غيار أو خدمات ما بعد البيع عموماً.
وكذلك الجميع يتطلع لدور أوسع لحماية المستهلك مع إعلان تشكيل المجلس التنفيذي لحماية المستهلك.
وهكذا نجد أن القضية تبدأ بالإعلان عن السعر ولا تنتهي به، بل لا يكفي عنصر واحد لتوفير التوازن بين قوتي العرض والطلب في السوق، فمن المبرر القول إن في سوق تجارة التجزئة عندنا تعايش حالة عدم توازن، نتيجة لانفراد التجار بالأسواق دون وجود مؤثر للمُنَظم، بمعنى أن ممارسة وزارة التجارة والأجهزة المتصلة بها لدور متعاظم هو الطريق لتحقيق التوازن في السوق، وتحديداً تحقيق ذلك باتجاهين متعاضدين:
إتاحة السوق لدخول منافسين إتاحة تامة، وفي نفس الوقت تقوية وتعزيز دور حماية المستهلك بما لا يمكن أي طامع من غَبن المستهلك.
نقلا عن اليوم