الصفقات الخاصة تسيء لسمعة السوق

08/02/2015 8
د. عبدالله بن ربيعان

القاعدة العامة لتداول الأسهم هو أن يتم البيع والشراء في السوق تحت الأضواء الكاشفة بالتقاء سعري العرض والطلب، وتسجل الصفقة والأسعار والكميات ضمن معلومات السوق آنياً بحسب النظام التقني المتقدم الذي تستخدمه «تداول».

إلا أن الملاحظ خلال فترة الشهرين الماضيين هو كبر عدد الصفقات الخاصة التي يتم إجراؤها خارج السوق، ولا تظهر في جانبي العرض والطلب والأسعار في السوق، وهو ما يضعف الثقة في السوق، ويزيد اهتزاز الثقة في أدائها، ويجعل المتداولين يتساءلون عن سبب عدم تنفيذ هذه الصفقات في السوق كأي صفقات أخرى؟

وعلى رغم أنه يمكن تبرير الصفقات الخاصة كاستثناء نادر فقط حينما تكون الصفقة بمئات الملايين من الريالات، وقد يؤثر تنفيذها في السوق في مؤشراتها بشكل سيئ، أو استخدامها في حال نقل مستثمر أسهمه من محفظة إلى أخرى، أو تصفية محفظة ورثة، أو غيرها من الأسباب المبررة، إلا أنها يجب أن تكون الاستثناء النادر ولا يسمح بها إلا في أضيق الحدود. ولكن أن تصبح الصفقات الخاصة أصلاً يومياً في السوق، وبمبالغ صغيرة، فهو ما لا يمكن قبوله، لأن الأصل من فتح السوق هو أن يتم التداول من خلالها لا خارجها.

وعلى سبيل المثال، فقد أجريت في يوم 8 كانون الثاني (يناير) الماضي 22 صفقة خاصة في يوم واحد، وبمبالغ صغيرة جداً، راوحت بين 1.3 مليون ريال لأسهم شركة أسمنت العربية (كان سعر السوق 80 ريالاً وتمت الصفقة الخاصة بمبلغ 72 ريالاً للسهم)، وبيع 129655 سهماً في شركة سابك بمبلغ 9.21 مليون ريال (تمت الصفقة بسعر 71 ريالاً علما بأن سعر السوق كان 79 ريالاً)، وجاءت بقية الصفقات الـ20 الأخرى بمبالغ إجمالية راوحت بين الرقمين المشار إليهما، وكان مجموع أموال الصفقات الـ 22 جميعها لا يتعدى 86 مليون ريال.

وهو ما يعني أن الصفقات المشار إليها - وهي على سبيل المثال فقط لا الحصر - صغيرة جداً وتستوعبها ومثلها السوق يومياً في زمن لا يتجاوز عشر دقائق، فلماذا تقسّم السوق بهذا الشكل غير العادل؟ ولماذا يشتري المستثمر الصغير سهم سابك بـ 79 ريالاً من السوق، ويشتريه المستثمر الآخر بـ 71 ريالاً خارج السوق؟ ولماذا يسمح بتقسيم السوق بهذا الشكل الذي يضر بسمعتها وبالشفافية والثقة في أدائها؟ بل يحولها إلى ما يشبه السوق السوداء.

أسئلة تولّد أسئلة أخرى، ولا إجابة شافية، ولهيئة سوق المال نقول: ما حاجتنا لفتح السوق إذا كان سيتم عقد الصفقات الخاصة بمبالغ صغيرة جداً، وبهذا العدد الكبير، وبشكل شبه يومي خارجها؟

ولرئيس هيئة السوق المالية الجديد نقول: فضلاً أوقفوا الصفقات الخاصة الصغيرة التي انتشرت في السوق بلا مبرر، فوجودها يشوّه سمعة السوق ويضر بالعدالة فيها، ويضعف ثقة الناس في كفاءتها وشفافيتها. وما كان منها مبرراً لسبب منطقي فليعلن السبب على الأقل ليزيح الغموض الذي يحيط بتنفيذ تلك الصفقات.

- على رغم أن توقيته ليس جيداً، إلا أن تصريح محافظ مؤسسة النقد الدكتور فهد المبارك هذا الأسبوع عن ضرورة إعادة النظر في سياسة دعم الأسعار المتبعة في المملكة، واستبدالها بتوجيه الدعم للفئة المستهدفة من الطبقتين منخفضة ومتوسطة الدخل، حديث مكرور، وكلام قديم يتجدد. وجدل الدعم بحسب السلعة بغض النظر عن المستفيد، أو دعم المستفيد بغض النظر عن سعر السلعة، أمر نوقش باستفاضة في أدبيات الاقتصاد الاجتماعي.

فالأول - وهو المفضل للتجار ومستوردي السلعة المدعومة - يستفيد منه الأثرياء وهم من لم يقصدوا بالدعم، أضعاف ما يستفيد منه منخفضو ومتوسطو الدخل، وهو ما يعني غياب العدالة الاجتماعية فيه (نظرياً يمكن فرض ضريبة على الأغنياء مساوية لمبلغ الدعم حتى تتحقق العدالة).

أما التحول للنوع الثاني - الذي أشار إليه المحافظ - وهو الدعم الموجّه للطبقات المستحقة للدعم فهو السائد في كثير من دول العالم، ولكن هل لدينا إدارة قادرة على إنجاحه؟ وإذا حصر الدعم على من يقل راتبه عن 5 آلاف ريال فقط، فكيف ستتصرفون مع من راتبه 5 آلاف وريال واحد فقط، وكيف ستكون حالته إذا رفع الدعم عن السلعة؟

كذلك، من يضمن العدالة والتوقيت لوصول الدعم أو بطاقة الدعم للمستحقين لها؟ ومن يضمن عدم تسربها لطبقات أخرى لا تستحقها؟ ثم هل سيكون الدعم متزايداً مع ارتفاع مستويات التضخم أم أنه سيقر في عام ويستمر على حاله لأعوام عدة بلا تغيير؟ بالطبع هي أسئلة لا أنتظر عليها إجابات، ولكنها من نوع التفكير بصوت عالٍ فقط.

وشخصياً، لست مؤيداً للطريقة الحالية للدعم لغياب العدالة الاجتماعية فيها، ولكني لست مع الطريقة التي أشار إليها المحافظ في حديثه، لأنها تحتاج إلى دراسة وتفكير ونقاش، فعواقب قصور وسوء الإدارة فيها وخيمة وضارة بالطبقات منخفضة الدخل، كما أن تطبيقها يجب أن يتزامن مع تطبيق برامج مساندة لعدم وقوع الطبقة التي فوق مستحقي الدعم بقليل في طبقة الفقراء بعد رفع الدعم بشكله الحالي.

ولذا فإن البقاء على طريقة الدعم الحالي وزيادة كفاءتها بسرعة إنجاز مشاريع النقل وإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة النووية أجدى وأكثر نفعاً من التحوّل لطريقة أخرى.

نقلا عن الحياة