لم يكن العجز المعلن أمس والمقدر بـ145 بليون ريال في موازنة 2015 مستغرباً، بل إنه كان متوقعاً في ظل الانخفاضات الكبيرة التي تمر بها أسعار النفط، التي تشكل المصدر الأول والأساس لعوائد الحكومة، وأرقام الانخفاض في أسعار الزيت تشير إلى فقده ما بين 43 و50 في المئة من قيمته قبل ستة أشهر تقريباً.
ولأن عوائد موازنة 2015 ما زالت تقديرية، ومؤكد فيها فقط جانب الإنفاق الذي سمحت به الحكومة لوزاراتها، وهو860 بليون ريال، فسيكون الحديث هنا عن موازنة 2014 المنتهية والتي أصبحت أرقاماً فعلية تحققت في جانبي الإنفاق والعوائد، إضافة إلى جانب النفقات في موازنة 2015. وبالتأكيد، من يقرأ ما بين سطور إعلان وزارة المالية موازنة 2015 وموازنة 2014 الذي صدر أمس لا بد أن يتوقف عند الملاحظات الآتية:
الأولى: أن موازنة 2014 حينما تم تقديرها في بداية العام، كانت النفقات مساوية للإيرادات عند 855 بليون ريال، ولكن ما أعلن أمس من حقيقة ما تم خلال العام لا يقارب أيّاً من هذين الرقمين، فالعائد الفعلي لموازنة 2014 بلغ 1.046 تريليون ريال، بنسبة زيادة قدرها 22 في المئة عن المقدّر، فيما بلغت مصروفات العام الماضي فعلياً في إعلان أمس 1.100 تريليون ريال، بنسبة زيادة بلغت 29 في المئة تقريباً عما قدّر في بداية العام. وبذلك حصل عجز فعلي قدره 54 بليون ريال في موازنة العام الماضي.
الثانية: زادت المصروفات الفعلية على تريليون ريال للمرة الأولى في تاريخ موازنات المملكة كافة، خلال العام الحالي 2014، فالرقم الفعلي للمصروفات بلغ 1.100 تريليون ريال، وهو ما لم يحدث في تاريخ الاقتصاد السعودي من قبل، فأعلى إنفاق فعلي كان عام 2013 بلغ 925 بليون ريال.
الثالثة: أن جُل أرقام المصروفات المعلنة لموازنة 2015 ستذهب لاستكمال مشاريع تنموية سبق إعلانها وبدأ العمل في بعضها فعلاً، وفيما عدا 14 بليون ريال لإنشاء مدارس جديدة، ومشروع كليات التّميز في التعليم المهني، وثلاثة مستشفيات جديدة لوزارة الصحة، فإن الإنفاق المعلن فعلياً في جانب المشاريع هو لاستكمال مشاريع بدأ العمل فيها، والمتتبع لبيان الموازنة يجد أن كلمات مثل: «إضافات إلى المشاريع القائمة» و«زيادات في مشاريع قائمة»، و«لاستكمال وإنشاء وتجهيز»، و«اعتمد بالموازنة الجديدة مشاريع لتأهيل»، وغيرها من الكلمات التي تشير إلى أن التركيز كان فعلياً على ما تم توقيعه والبدء فيه قبل التفكير بإنشاء مشاريع جديدة تبدأ من الصفر.
الرابعة: وهي مرتبطة بالثالثة، وهي استكمال المشاريع القائمة وتجديد القديم، وإنهاء مشكلات المتعثر، هو ما طالبنا به بصفتنا اقتصاديين، كثيراً، فلا جدوى من إعلان مشاريع جديدة، وكثير من المشاريع التي وقعت عقودها فعلياً متعثرة ولم ينجز فيها شيء.
الخامسة: جاء التعليم تليه الصحة كالعادة على رأس قائمة الصرف، واستحوذا على ما نسبته 44 في المئة من نفقات موازنة 2015، وليس في الموضوع مفاجأة تذكر، ولكن المفاجأة يمكن رؤيتها بقراءة ما خصص للتجهيزات الأساسية والنقل، فالبند المخصص لها يتحدث عن 33.5 بليون ريال لإنشاء واستكمال طرق وسكك حديد ومطارات وغيرها، إضافة إلى 115 بليون ريال بقية تكاليف لم تدفع لمشاريع اعتمدت في موازنات سابقة. وهذا يوضح حجم الصرف الهائل في موازنات المملكة المتتالية على مشاريع البنية التحتية الضخمة.
السادسة: كان تأثير أسعار النفط واضحاً بشكل جلي وظاهر على تعاملات المملكة مع العالم الخارجي، ففائض ميزان المدفوعات انخفض بنسبة تصل إلى 20 في المئة، كما انخفض فائض الميزان التجاري بنسبة 5.6 في المئة عن العام الذي ينتهي بعد خمسة أيام. وهذه الانخفاضات توجب إعادة النظر لتقليل الواردات «السلعية» غير الضرورية على الأقل كي لا تنقلب الفوائض إلى عجز، فيما لو استمرت قيمة الصادرات بالتناقص وزادت فاتورة الواردات.
السابعة والأخيرة، وكما توقعنا في تقرير نشرته «الحياة» (الخميس) الماضي، انخفض حجم الدَّين العام إلى ما نسبته 1.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولاشك في أن تقليص الدين العام لرقم صغير جداً سيسمح للحكومة بالصرف والإنفاق بعيداً عن ضغوط السداد، وتراكم فوائد الديون، وهو أمر تستحق عليه وزارة المالية كل الشكر والتقدير.
ختاماً، لاشك أن ما أعلن من أرقام تحققت فعلياً في 2014، أو يقدّر لها أن تتحقق خلال العام 2015 يؤكد رغبة وطموح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تحقيق تنمية شاملة تعم بنفعها الوطن ويستفيد منها المواطن، وللوزراء والمسؤولين نقول: «حذار من التعثر والتأخير نرجوكم، فالوفر الذي حققناه في 10 أعوام كفيل بإنجاز الكثير إذا أدرتموه بكفاءة، والوقت لم يعد في مصلحتنا».
نقلا عن الحياة