تعاني سوق العمل في الكويت تشوهات مزمنة لم تتمكن السلطات والجهات المختصة من معالجتها وإنجاز الإصلاحات المستحقة.
ووفق آخر بيانات الهيئة العامة للمعلومات المدنية، يبلغ عدد سكان الكويت 4.1 مليون شخص منهم حوالى 1.3 مليون شخص من الكويتيين و2.8 مليون شخص من غير الكويتيين.
لكن قوة العمل في البلاد (تشمل البالغين 15 سنة فأكثر) تصل إلى 2.4 مليون شخص، منهم 410 آلاف كويتي وحوالى مليونين من غير الكويتيين، أي 17 و83 في المئة على التوالي. وهكذا يتضح مدى هزال مساهمة قوة العمل المحلية في النشاط الاقتصادي في البلاد.
لكن ثمة بيانات توضح تشوهات اقتصادية، إذ يعمل 310 آلاف كويتي في القطاع العام و89 ألفاً في القطاع الخاص، ويزعم 11 ألفاً و529 كويتياً أنهم عاطلون من العمل، وبذلك يعمل 75 في المئة من اليد العاملة المحلية تعمل في القطاع العام و22 في المئة في القطاع الخاص، ويعاني ثلاثة في المئة البطالة.
ويؤكد هذا التوزيع لليد العاملة المحلية تكدسها في القطاع العام وتدني تشغيل المواطنين في القطاع الخاص الذي يعتمد في صورة شبه كاملة، على اليد العاملة الوافدة على رغم محاولات الحكومة حفز المواطنين للانخراط في وظائف القطاع وتقديمها إلى من يفعل دعماً مالياً يُضاف إلى راتبه.
أما اليد العاملة الوافدة فتتوزع بين 130 ألف شخص في القطاع العام و1.8 مليون في القطاع الخاص إلى جانب 31 ألف وافد عاطل من العمل.
وهكذا يعمل سبعة في المئة من الوافدين في القطاع العام و92 في المئة في القطاع الخاص والأعمال المنزلية ويعاني واحد في المئة البطالة.
ويعود هذا الاعتماد الكبير من القطاع الخاص على اليد العاملة الوافدة لأسباب عدة أهمها تدني الرواتب والأجور التي يتقاضاها وافدون كثيرون وعدم توافر كويتيين يقبلون بالعمل في الوظائف المتوافرة في القطاع الخاص.
يضاف إلى ذلك أن كويتيين كثيرين يحبذون العمل في القطاع العام نظراً إلى المزايا المادية التي تتوافر هناك وغياب حوافز للعمل في القطاع الخاص بعد رفع الحكومة الرواتب والأجور والتقديمات الأخرى.
ويُعتبَر 90 في المئة من منشآت القطاع الخاص من المنشآت الصغيرة المتمتعة برأس مال تشغيلي محدود وغير المتطلبة لتشغيل أعداد كبيرة من العاملين ولا لمستويات مهنية مرتفعة.
وتغيب المؤهلات عن 42.5 في المئة من اليد العاملة الوافدة في القطاع الخاص، وهي متدنية لدى 33 في المئة، ومتوسطة لدى 18 في المئة، وعليا لدى 6.4 في المئة. وتؤكد هذه البيانات أن اليد العاملة الوافدة في البلاد هي يد عاملة متواضعة التأهيل والتعليم، ولذلك تتقاضى أجوراً منخفضة.
وتتسم اليد العاملة المنزلية بدرجة أعلى من الهامشية إذ يبلغ عددها 522 ألفاً و94 شخصاً، منهم 63.4 في المئة من دون مؤهلات و32.3 في المئة من ذوي المؤهلات الدنيا و4.1 في المئة من أصحاب المؤهلات المتوسطة وأقل من واحد في المئة من ذوي المؤهلات العليا.
وعندما تثار مسألة الإحتلال أو التوطين، يبدو ذلك من الأمور غير الواقعية إذ لا يتوقَّع أن يقبل الكويتيون على العمل في المهن المتاحة لدى المؤسسات الخاصة والتي يشغلها غير الكويتيين لقاء أجور متدنية. ووفق إحصاءات، يقل أجر العامل لدى 80 في المئة من اليد العاملة الوافدة عن 200 دينار (750 دولاراً) شهرياً.
ولذلك تتكون اليد العاملة في القطاع الخاص من وافدين بنسبة 95.4 في المئة وكويتين بواقع 4.6 في المئة. ويعمل الكويتيون في الشركات الاستثمارية والعقارية، ويستوعب القطاع المصرفي كويتيين كثيرين مؤهلين في جامعات أو معاهد عليا.
وبذلت الحكومة خلال السنوات الماضية جهوداً مهمة لحفز الكويتيين للعمل في القطاع الخاص من خلال برنامج الدعم وخصصت أموالاً لذلك يُستقطع بعضها من الأرباح الصافية للشركات المساهمة، بنسبة 2.5 في المئة، ويمثّل البرنامج بنداً مهماً من بنود الموازنة العامة، علماً بأن ما يُدفَع للعاملين في القطاع الخاص من تعويضات من ضمن البرنامج يعتبر جزيلاً ومتميزاً، وتتدرج قيمة الدعم حسب المؤهلات ونوعية الوظيفة.
هكذا تجد الحكومة الكويتية نفسها أمام أوضاع غير مقبولة إذ تشغل الآلاف من الكويتيين من الخريجين الجامعيين وغيرهم ممن لا يجدون الوظائف المناسبة في القطاع الخاص.
وبعد الانحدار الأخير لأسعار النفط، تبدو الحكومة أمام خيارات إستراتيجية مهمة إذ قد يصعب الاستمرار بسياسة تشغيل كهذه من دون ضوابط ومن دون تحديد للاحتياجات الفعلية للعاملين، خصوصاً أن مخصصات الرواتب والأجور تستنزف أكثر من 50 في المئة من الموازنة السنوية، وهي مرشحة للازدياد إذا استمر الاعتماد على الحكومة في شكل أساسي لتشغيل المواطنين.
كيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟ يتعين على الحكومة التي تملك العديد من النشاطات الاقتصادية وتديرها أن تتحرر من هذه المسؤوليات باعتماد برنامج تخصيص يؤدي إلى توسيع دور القطاع الخاص ومسؤولياته في مجال التشغيل وفق معايير مقبولة من المواطنين.
ولا بد من مراجعة النظام التعليمي وتعزيز التعليم المهني وضبط شروط القبول في مؤسسات التعليم العالي بما يحفز الطلبة على الانخراط في التعليم المهني.
ولا بد من ترشيد استقدام اليد العاملة الوافدة وإلغاء نظام الكفيل الذي تشوبه شوائب، خصوصاً بعدما أقرت هيئات مجلس التعاون الخليجي أنظمة متسقة مع المعايير الدولية في هذا الصدد.
وثمة حاجة إلى وضع قانون ينظم استخدام اليد العاملة المنزلية التي ما زال تشغيلها بعيداً عن الشروط الملائمة.
نقلا عن الحياة