بعد أيام تصدر الميزانية العامة للدولة، وقد يقول قائل إن الميزانية ليست ذات صلة مباشرة بالمواطن الفرد؛ فهي تُعلن عن مخصصات الوزارات والهيئات. وبالفعل فالميزانية تشتمل على تلك المخصصات، وهي تشمل كذلك الانفاق على المشاريع التنموية شديدة الصلة بالمواطن؛ فالميزانية تعلن كم مدرسة ستبنى، وكم مركز رعاية صحية أولية، وكم مستشفى وسعة كلٍ منها مِن الأسرّة، ومشاريع الصرف الصحي وتصريف الأمطار والسيول، والطرق السريعة المحورية.
هذه كلها شديدة الصلة بالمواطن، لكن إعلان الميزانية لا يبين أين سيكون موقع كل مدرسة من المدارس المقرر بناؤها ضمن مخصصات الميزانية، كما أنه لا يبين أين ستقام المستشفيات التي ستستحدث بناء على الانفاق المتاح في الميزانية، ولذا فتأتي الأرقام «تجريدية» في عَقل المتلقي، بمعنى أن المواطن عند سماعهِ أو قراءته لبيان الميزانية يجد أرقاماً مُجمعةً على مستوى البلاد ككل، وبذلك يفتقدّ الصلة بينه وبين تلك الأرقام.
كيف نبني رابطاً بين المواطن الفرد وإعلان الميزانية العامة للدولة؟ أولاً لابد من الإقرار أن إعلان الميزانية لا يمكن أن يشتمل في صُلبهِ كل التفاصيل، فذلك ليس عملياً بكل تأكيد، لكن ما يمكن الجزم به أن توفر ملاحق تفصيلية عبر المواقع الرسمية ذات الصلة سيكون ملائماً، ومن ضمن تلك التفاصيل يمكن سَرد قوائم بالمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية مع تحديد إن كانت للبنين أم للبنات، وموقعها في الأحياء على مستوى الهجرة أو القرية أو البلدة أو المدينة، وكذلك الأمر في توزيع مراكز الرعاية الصحية الأولية، فعوض عن الاقتصار بالإشارة للعدد الكلي (مثلاً 300 مركز) يذكر أحد ملاحق الميزانية المواقع المحددة مركزاً مركزاً.
وبعد ذلك، تصوروا أن تبوب بعد ذلك المشاريع والخدمات الواردة في الميزانية العامة لكل تجمع سكاني في بيان منفصل؛ فمثلاً يورد بيان مدينة الدوادمي ويبين ما تحمله الميزانية لها من مشاريع وخدمات، فيبين المدارس ومراحلها ومواقعها ضمن الدوادمي، وبعد ذلك المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، وبعد ذلك مشاريع المواصلات والاتصالات والمياه. هكذا، سيدرك المواطن –على وجه التحديد- نصيبه ونصيب الحي الذي يقطن فيه، ونصيب المدينة التي يسكنها من الميزانية، وبذلك سيجد أن ثمة صلة وثيقة بينه وبين الإعلان عن الميزانية.
في غابر الأيام، قبل ثورة الاتصالات والمعلومات، وقبل توافر خدمات الانترنت، لم يكن ممكناً نشر كل هذه التفاصيل. أما حالياً، فذلك ممكن بضغطة زر؛ فالمعلومات متوافرة، إذ أن الأرقام التي تعلن في بيان الميزانية هي عبارة عن مجاميع لتفاصيل وتفاصيل التفاصيل. كما أن البيانات حول الانفاق التنموي متاحة ولا تحيطها أية سرية.
أما مستوى الإفصاح الحالي، فقد كان ملائماً لعقود ماضية عندما كان متعذراً النشر، وعليه، فلا بد أن نُحَدّث سياسة الاتاحة المتصلة بتفاصيل مخصصات المشاريع، إذ ان ذلك سيعني الكثير للمواطن، فمستوى الاجماليات الذي جرت العادة على إعلانه فله صلة بالمهتمين بالتوجه العام، في حين أن إعلان الميزانية مناسبة لاطلاع العموم على برنامج الحكومة الموقرة لعام قادم، كما أن بيان التفاصيل سيساهم في بناء صلة بين المواطن الفرد والميزانية، وتمكينه من متابعة الإنجاز بعد الإعلان عنه، والارتقاء باهتمامه، فالتناول سيكون عن المدرسة التي سيذهب إليها أبناؤه، والمستشفى الذي تتطبب فيه أسرته، والطريق الذي ينقله من نقطة لأخرى في بلدنا العزيز.
نقلا عن اليوم
احسنت