لا يحتاج المستثمرون والمضاربون في أسواق المال في الظروف الاقتصادية أو المالية أو السياسية العادية، سوى نوعين من التحليل، الأول هو التحليل الأساسي، وهو موضع اهتمام المستثمرين في الأجل المتوسط والبعيد، بينما يهتم المضاربون بالتحليل الفني، وهو النوع الثاني، باعتبار أن استثماراتهم قصيرة الأجل.
لكن، نظراً إلى الظروف السياسية والاقتصادية والاستثمارية الاستثنائية، سواء في المنطقة أو في العالم، يتركز اهتمام معظم المستثمرين بمختلف شرائحهم على التحليل السياسي والتحليل النفسي، إضافة إلى التحليلين الأساسي والفني.
يتضمن التحليل الأساسي قراءة لأوضاع الشركة المدرجة المعنية لجهة كفاءة الإدارة ومؤشرات النمو والربحية وسجل الإنجازات خلال سنوات وتوقعات الأرباح، إضافة إلى أوضاع القطاع الذي تنتمي إليه الشركة لجهة مروره بفترة انتعاش أو نمو أو ركود وتباطؤ.
ويشمل التحليل درساً لكل متغيرات المناخ الاقتصادي والاستثماري الذي تعمل فيه الشركة، مثل الناتج المحلي الإجمالي لبلادها ومستوى التضخم وأسعار الفائدة وكل ما يُتوقَّع أن يكون له تأثير في سعر أسهم الشركة بهدف احتساب القيمة العادلة والمنطقية لأسهمها، إضافة إلى التحركات المستقبلية المرجحة لأسهمها.
أما التحليل الفني فلا يأخذ في الاعتبار سوى تحركات أسعار أسهم الشركة المعنية به وحجم التداول والاتجاهات السابقة للسوق للمساعدة في توقع اتجاهات الأسعار وحجم العرض والطلب في المستقبل، ويستخدم هذا التحليل الأساليب الإحصائية والرسوم البيانية ولا يعترف بمفهوم كفاءة الأسواق.
لكن نتيجة التراجع الكبير في أسعار النفط وتأثيراتها الإيجابية والسلبية المختلفة في الاقتصادات العالمية، إضافة إلى تباطؤ النمو العالمي والأحداث الجيوسياسية في المنطقة، أصبحت العوامل النفسية تؤدي دوراً مهماً في حركة مؤشرات أسواق المنطقة وفي عملية اتخاذ القرارات الاستثمارية من مختلف شرائح المستثمرين، وفي مقدمهم المضاربون.
والعوامل النفسية مصدرها أمور غير ملموسة، مثل التفاؤل أو التشاؤم، والحذر والترقب والقلق، تسيطر على قرارات المستثمرين، وتخفض مستوى الثقة أو ترفعه، وتدفعهم إلى الاعتماد على الإشاعات و «السير مع الجمع»، أي السير خلف غالبية المتعاملين وفعل ما تفعل من بيع أو شراء في شكل عشوائي من دون تفكير أو دراية.
ويبرز منذ أسابيع الدور السلبي الذي تلعبه العوامل النفسية في تحركات مؤشرات أسواق الخليج نتيجة التراجع الكبير في أسعار النفط الذي يُعتبر المصدر الرئيسي لدخل دول الخليج، خصوصاً مع بروز توقعات متشائمة بانخفاض آخر في الأسعار خلال العام المقبل، ما قد يخلّف تأثيرات سلبية في الإنفاق الحكومي الجاري أو الرأسمالي ويضر بالتالي ربحية الشركات المدرجة في أسواق المال.
وتركز الأسواق المتقدمة منذ زمن بعيد على الجانب الإنساني في حركة العرض والطلب، واهتمت حكومات أوروبية، مثلاً، بالعوامل النفسية خلال أزمة المال العالمية عام 2008، فاتخذت قرارات بإيقاف عمليات «البيع على المكشوف» (بيع أسهم قبل شرائها فعلاً) باعتبار أنها لا تستند في معظم الحالات إلى عوامل منطقية أو أساسية، بل إلى عوامل الخوف والبيع العشوائي وتراجع الثقة.
وكانت صناديق استثمار استغلت هذه العوامل النفسية السلبية، وبادرت إلى البيع على المكشوف لأسهم لم تشترها إلا بعد انخفاض أسعارها بنسب كبيرة فحققت مكاسب سريعة.
وتدخلت صناديق سيادية كثيرة شارية فضخّت سيولة واشترت أصولاً لرفع معنويات المستثمرين وعقلنة قراراتهم الاستثمارية من خلال محاربة نزعة التشاؤم.
وأصبحت الظروف السياسية والعسكرية في المنطقة العربية ذات تأثير واضح في ثقة المستثمرين في أسواق الخليج والمنطقة، خصوصاً الأجانب، فأسواق المال هي من أكثر الأسواق حساسية تجاه أي تطورات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية استثنائية.
وثمة اتجاه متزايد لدى المستثمرين في المنطقة إلى متابعة التحليلات السياسية والعسكرية في وسائل الإعلام، علماً أن الاستقرار السياسي والاجتماعي والعسكري يساهم بنسبة مهمة في المؤشر المركّب للأخطار لذلك تنسحب معظم شرائح المستثمرين من أسواق المال التي تعاني دولها عدم استقرار سياسي أو اجتماعي أو عسكري نظراً إلى ارتفاع أخطارها.
نقلا عن الحياة