بعد أوبك هناك شيئان

03/12/2014 7
مازن السديري

في الاجتماع الأخير لأوبك انتظر الناس تقليص الإنتاج لتحسين الأسعار، وبعد القرار بالحفاظ على سقف الإنتاج يرى فريق آخر بأن نزول الأسعار لن يضر بإنتاج النفط الصخري الذي تنخفض تكلفة إنتاجه تدريجياً، وهذا سوف يضمن استمراره مستقبلاً، والبعض الآخر يرى المملكة في أسوأ أوضاعها الاقتصادية، وأنا أختلف مع هذه النظرة لأسعار النفط وإنتاج النفط الصخري والسلبية العامة تجاه الوضع الحالي للاقتصاد السعودي.

قرار الحفاظ على نفس مستوى سقف الإنتاج كنت أتوقعه، وجاهرت بذلك بكل تأييد في عدة حوارات تلفزيونية قبل الاجتماع، ولكن ماذا بشأن النفط الصخري ونزول الأسعار، حسب التقارير الاقتصادية التي أتلقاها فإن التكلفة تتراوح بين 115 دولاراً و40 دولاراً والغالبية بين 70 و50 دولاراً، طبعا تكلفة الإنتاج يكون أغلبها بنسبة 60٪ تقريباً، تكاليف الحفر والاستكشاف والمتبقي هو تكاليف استخراج النفط، وبالتالي كلما مضت فترة أطول بدون أعمال حفر فإن التكلفة تنخفض، ولكن ما يختلف مع النفط الصخري هو أن نسبة التآكل ترتفع وتصل إلى 60%، وهذا ما يرفع التكاليف مجدداً للنفط الصخري، وبسبب هذا التآكل يكون العامل المرجح لاختلاف تكلفة الإنتاج بين الشركات والحقول النفطية لطبيعتها الجيولوجية أكثر من أن تكون عوامل تقنية، وحتى فإن الكثير من الخبراء المتابعين يشكك بالرقم الحقيقي لمتوسط التكلفة.

لكن السؤال: هل المملكة تريد القضاء على النفط الصخري؟ الجواب: لا.. لأن وجود مصادر عرض أخرى يخفف الاعتماد على الدول التي تمتلك قدرات إنتاج يفوق إنتاجها الحالي مثل: المملكة والإمارات والكويت حيث تكون زيادة إنتاجها على حساب عمر احتياطياتها، فبالتالي وجود النفط الصخري هو إضافة تخفف العبء، بالإضافة إلى أن صناعة النفط الصخري هي أحد الأسباب الرئيسة للنمو الاقتصادي الأمريكي.

يكفي أن أقول بأنها صنعت أكثر من مليوني وظيفة هناك، وما إلى ذلك من فوائد للاقتصاد العالمي، لكن الهدف من نزول أسعار النفط هو تقليص الاستثمارات التي تموّل عمليات التوسع ويجعلها بالتالي أكثر تحفظاً، مما سيجعل وتيرة التزايد في إنتاج النفط الصخري أكثر تباطؤاً، وأن يكون نمو العرض متناسباً مع الطلب، البعض أيضاً يرى بأن شركات النفط الصخري حالياً تتكتل، وهذا ما سيعزز تماسكها، وأرد عليهم بأنها ليست تتكتل (تندمج) بل (تستحوذ) من قبل الشركات الأغنى، وهذا دليل إعادة الهيكلة في هذه الصناعة، وأنها تمر بطور النضوج والسكون وتباطؤ النمو بعد ضربة نزول الأسعار، فتلجأ الشركات الأغنى لشراء الأضعف ربحية لرفع اقتصاديات الحجم وتحسين الهوامش الربحية، ولا أرجح نقل التقنية؛ بدليل أن أغلب محاولات الاستحواذ تتم في نفس المنطقة لرفع اقتصاديات الحجم.

نحن اليوم لسنا في ظروف اقتصادية أكثر إيجابية مما كان فيه العالم في العام 2008، وها هي معدلات النمو الأمريكي والصيني والبريطاني إيجابية رغم التباطؤ النسبي في الاقتصاد الصيني، ومن الدول النامية عادت الهند، بالإضافة لنزول أسعار النفط - الذي سوف ينشط الاقتصاد العالمي - فإن التوقعات بزيادة الطلب في العام المقبل من قبل أوبك و IEA بحدود 1.2 مليون برميل كفيلة بإعادة تحسين الأسعار مستقبلاً.

أخيراً أتمنى أن ما ذكرته يبدد شيئاً من التشاؤم تجاه مستقبل أسعار النفط، وأعود للتذكير بإيجابيات اقتصادنا الوطني وأولها ارتباط الريال بالدولار في وقت تحسن سعر صرف الدولار مقابل الدول الأخرى المنتجة للبترول مثل النرويج ونيجيريا وروسيا التي تآكلت عملتها منذ عام إلى الآن قياساً بالدولار بنسبة 70%، والاحتياطيات النقدية العالية والتي قد نحتاج لها بشيء بسيط كما حدث عام 2009 لمواكبة حركة النمو وخلق الفرص الوظيفية، مع العلم أن بيان الميزانية لهذا العام توقع الإنفاق 855 ملياراً بما يناسب 78 دولاراً كسعر للبرميل (مع التحفظ في حساب الدخل غير النفطي) ولا يزال متوسط الأسعار لهذا العام عند 89 دولاراً.

كل ما أراه أمامي حسب ما أتلقى من معطيات مطمئن لاقتصاد وطني، فأفضل الطائرات لابد أن تشعر بداخلها بقوة المطبات الجوية ولكنها كالعادة تمضي بسلام وتصل.

نقلا عن الرياض