يرى كثيرون ان دور «أوبك» في سوق النفط يتراجع، لكن هذا الدور واجه تحديات منذ تأسيس المنظمة في بغداد خلال أيلول (سبتمبر) 1960 واعتمادها نظام التسعير المعلن لبرميل النفط، وجعلت تطورات في ثمانينات القرن العشرين من آليات السوق المحدد الأول للأسعار، إذ خضعت السوق لمتغيرات العرض والطلب، بل وأصبحت أحياناً كثيرة سوقاً للمشترين، بمعنى تغلب الطلب على العرض في مجال تحديد الأسعار.
واضطرت «أوبك» في محطات زمنية عديدة إلى خفض الإنتاج إلى مستويات متدنية من أجل دفع الأسعار إلى التماسك، مثلما حدث في 1986 عندما خفضت المنظمة إنتاجها إلى 16 مليون برميل يومياً.
كذلك خفضت «أوبك»، أثر الأزمة المالية العالمية في 2008، الإنتاج بمقدار أربعة ملايين برميل يومياً بعدما انخفض السعر من أعلى مستوى له والذي بلغه في تموز (يوليو) 2008 وهو 147 دولاراً للبرميل إلى ما يقارب 30 دولاراً. وأدى الخفض إلى تماسك الأسعار ثم تحسنها بعد وقت قصير.
ودل ذلك على قدرة «أوبك» على تحديد اتجاهات الأسعار عند حدوث الأزمات الاقتصادية العاصفة التي يمكن ان تؤثر في سوق النفط.
واليوم يمكن الزعم ان «أوبك» تواجه منافسة مهمة من المنتجين الآخرين بعدما ارتفع إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة وكندا وغيرهما، لكن بلدان «أوبك» ما زالت تحتضن مخزونات طبيعية مهمة كما ان كلفة الإنتاج فيها ما زالت أقل من كلفة إنتاج النفط الصخري والنفط التقليدي في البلدان غير الأعضاء.
وفيما تبلغ الاحتياطات النفطية العالمية 1.5 تريليون برميل تحتضن دول «أوبك» 1.2 تريليون منها، وفيما تنتج الدول النفطية غير الأعضاء في «أوبك» 54.6 مليون برميل يومياً، لا تنتج الدول الأعضاء أكثر من 30.5 مليون برميل يومياً، لذلك سيبقى العالم معتمداً على نفط «أوبك» لسنين كثيرة مقبلة.
وفيما يتفاوت إنتاج النفط بين بلدان «أوبك» لأسباب تقنية أو أمنية أو سياسية، تعتزم بلدان أعضاء تعزيز استثماراتها في قطاع النفط، خصوصاً مشاريع المنبع، لرفع مستويات الإنتاج، ومن هذه البلدان السعودية والعراق والكويت.
وقدرت خطط الاستثمار في بلدان «أوبك» لعام 2014 بنحو 120 بليون دولار. وهذه المشاريع مخطط لها على ضوء التوقعات المحتملة للطلب على النفط في العالم ومعدلات النمو الاقتصادي العالمي، وهي تهدف إلى ضمان استمرار تدفق الإمدادات النفطية بالمستويات المطلوبة إلى البلدان المستهلكة.
ولا شك في ان أوضاع سوق النفط في هذه الفترة تثير قلق المسؤولين في بلدان المنظمة، فتمويل الإنفاق العام وتنشيط مختلف القطاعات الاقتصادية فيها يعتمد على قدرتها على تحصيل إيرادات مناسبة من النفط. وستواجه بلدان في «أوبك» مصاعب مهمة إذا استمرت الأسعار في التراجع فالتزاماتها الإنفاقية تتطلب حدوداً عالية لسعر النفط. ويعاني عدد من بلدان «أوبك» أوضاعاً معيشية صعبة لا تقتصر على البطالة المرتفعة، ومن هذه البلدان الجزائر وإيران والعراق وفنزويلا ونيجيريا.
أما بلدان الخليج فتعتمد أنماطاً إنفاقية عالية لتوفير مستويات معيشية مناسبة لمواطنيها، لذلك فهي قد تواجه استحقاقات مهمة لتعديل سياساتها المالية.
بيد ان الافتراض بأن «أوبك» أصبحت لاعباً هامشياً في سوق النفط لا يمكن ان يكون موضوعياً. هناك تحولات في السوق وفي معادلات العرض والطلب وهناك حقائق جديدة فرضتها تطورات إنتاج النفط والغاز الصخريين، لكن هذه الأمور يجب ان توضع في سياق واقعي.
وإذا كانت «أوبك» واجهت خلال مسيرتها خلال السنين الـ 54 الماضية تراجعات في الأسعار وتمكنت من تجاوزها من خلال التعاون بين الأعضاء، وأحياناً مع منتجين من خارج «أوبك»، فذلك يؤشر إلى إمكانات مستمرة للتعامل مع المعطيات الراهنة.
ثمة ضرورة لتفهم مشترك لأوضاع مختلف البلدان الأعضاء ومحاولة صياغة إستراتيجيات جديدة تدعم حصص هذه البلدان في الأسواق، لكن إزاء المطالبات بخفض الإنتاج لدعم الأسعار ثمة صعوبة في ضمان حصص مختلف البلدان في أسواقها الاستهلاكية التقليدية إذ يمكن لبلدان من خارج «أوبك» ان توسع حصصها في تلك الأسواق عندما تتراجع الإمدادات من بلدان «أوبك».
تتراجع الأسعار ليس فقط لارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وكندا ومن ثم انخفاض الطلب الأميركي على النفط المستورد، فهناك ركود اقتصادي في أوروبا واليابان ساهم في خفض الطلب.
ولا بد لتحسن أداء الاقتصاد العالمي من ان يعزز الطلب على النفط خلال السنوات المقبلة.
وتتطلب المتغيرات في الاقتصاد العالمي استعداداً أفضل من بلدان «أوبك» لكن ذلك لا يعني ان تلك المتغيرات ستقلص دور «أوبك» في صياغة العوامل الاقتصادية لقطاع الطاقة خلال السنين المقبلة.
نقلا عن الحياة