على الرغم من أن الجميع يعلم بالانخفاض السريع لأسعار النفط وان معظم إيرادات ميزانية الدولة تعتمد على أسعار وكميات النفط المصدرة، إلا أن الغريب نفي بعض المختصين والمحللين تأثر المملكة من ذلك الانخفاض وان لديها القدرة على التغلب على ذلك ويتم الاستدلال بتقارير منظمات دولية متخصصة لعدم قلق المتابعين والمستثمرين بالسوق من تبعات ذلك، في حين أن الوضع المتقلب لأسعار النفط وأسبابه تتطلب الشفافية في الطرح والتحليل وبدون مبالغة في التخوف من آثار ذلك حتى تكون هناك مصداقية في التحليل وبدون المجاملة للتصريحات، فلايجب أن ننفي إمكانية إعلان عجز بالموازنة القادمة ولكن توجد احتياطيات تغطي أي عجز متوقع لهذا العام، وذلك حتى لا يتحول إعلان العجز بالإيرادات كخبر مفاجئ سيئ يُستغل من البعض للإثراء وليصبح الجميع على دراية بالالتزامات الكبيرة وماسيتم اتخاذه لمواصلة الصرف على التنمية.
ومع أهمية استقلاليتنا في الدراسة والتوجهات بعيدا عن تقارير البنك الدولي وصندوق النقد التي يعتمد عليها البعض في رؤيته ونستند عليها في قراراتنا، فان تلك التقارير التي تعلم جميع الدول بعدم واقعيتها وتسببها في تأزم مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية ثبت أنها تواكب الحدث وغير فاعلة في القراءة المستقبلية للاقتصاد العالمي ونسب النمو، فمع فشل تلك المنظمات في التنبؤ بأزمة الرهن العقاري والديون العالمية عام 2008م شجعت أثناء طفرة النفط على زيادة إنفاقنا بالمشاريع بشكل كبير كمساهمة في تجاوز الأزمة العالمية والتي لم تفلح إلا في زيادة حجم الالتزامات المستقبلية الضخمة على ميزانية الدولة!
ثم نجدها تسارع بعد انزلاق أسعار النفط على تعديل نظرتها للوضع الاقتصادي العالمي والمملكة بتخفيض نسب النمو العالمي المتوقعة وتطالب المملكة بتخفيض الإنفاق لمواجهة مشكلة انخفاض أسعار النفط بعد الالتزام بالعقود الضخمة وكأن تلك المنظمات ليس لديها دراسات ولا تعلم بآلية إعداد الميزانية والمشاريع وتنفيذها والتي ستتحمل الميزانيات القادمة أعباءها، وهو مايعطي أهمية لتأثير أسعار النفط على توجهات الميزانيات القادمة وكيفية تغطية العجز وحتى لايكون ذلك مفاجئا حتى على المحللين وتلك المنظمات الدولية.
وقد برزت مع توالي الأخبار عن انخفاض أسعار النفط لما دون (80) دولارا التوقعات بسعر التوازن بالميزانية القادمة وهو أمر لايمكن قياسه على وشك التحديد لمن لا يعلم بالكيفية التي تُعد بها ميزانيات الدولة التي تعتمد في تمويل مشاريعها الجديدة على الإيرادات المستقبلية، فاستثناء من تكاليف المشاريع الممولة من فائض الإيرادات المرصودة بحسابات بمؤسسة النقد، فان هناك مشاريع ونفقات عاجلة تم الالتزام بها خلاف المعلن بالميزانيات والتزامات مالية قائمة خلال السنوات الماضية قد تتجاوز (2) تريليون ريال تحتاج لسيولة نقدية بالميزانيات القادمة، علاوة على نفقات التشغيل والصيانة المتزايدة، والحقيقة لقد ساهمت المشاريع المتعثرة في تخفيف وطأة استحقاق الصرف وتحجيم العجز المتوقع والسحب من الاحتياطي، وهو مايقع خارج حسابات التوقعات بسعر النفط المناسب للميزانية.
ولكون الميزانية القادمة سيعلن عنها بعد أسابيع ومن المتوقع وفقا لأسعار النفط والركود وانخفاض نسب النمو للعديد من الدول ولمحدودية الإيرادات غير النفطية، فانه من المتوقع أن يظهر عجز طبيعي بالإيرادات وهو ليس بالمخيف لإمكانية تغطيته ولكنه حقيقة يجب أن يكون الجميع مهيأً لذلك لعدم خلق صدمة بالنشاط الاقتصادي والسوق المحلي وكما حدث عندما نشر خبر سحب (50) مليار ريال خلال شهر سبتمبر 2014م من الاحتياطي، ومع أن هناك خفضا متوقعا للإنفاق وأفكارا لرفع الإيرادات غير النفطية، فان الأمل أن يتركز في خفض المشاريع المليارية التي ليس لها أولوية، وان لا يكون على حساب المستوى المعيشي للمواطن سواء كان موظفا او متقاعدا بتخفيض نفقات مباشرة للتغلب على التضخم الكبير بتكلفة المعيشة، وذلك لتحجيم الأثر السلبي الداخلي لانخفاض النفط ولتوفير أفكار أفضل للبحث عن قنوات جديدة – وليس كما تم سابقا - لرفع الإيرادات غير النفطية بعيدا عن المساس حقاً بدخل المواطن.
نقلا عن الرياض
مقالة جميلة..