بعيدًا عن نضوب النفط من عدمه، وبعيدًا عن توقعات أسعاره، هناك تحدّيات ستواجه مستقبل النفط، وتؤثر على مستوى الطلب والعرض الذي يحدد أسعار النفط بأنواعه.
تصنف هذه التحدّيات إما بدائل للنفط أو تحسن في أداء المحركات، وطبعًا يقابلها الزيادة المستقبلية على الطلب.
مما لا شكّ فيه، فإن الطلب على النفط سيرتفع مستقبلاً لسببين رئيسين، الأول الزيادة في عدد السكان والثاني الزيادة في عدد السيارات للسكان الحاليين خصوصًا في الصين والهند والولايات المتحدة حيث إن عدد السيارات في الصين 51 مليون سيارة عام 2010م (أي 37 سيارة لكل 1000 نسمة)، وتشير الدراسات إلى أن عدد السيارات سيرتفع 5 أضعاف وسيصل إلى 255 مليون سيارة خلال15 عامًا (عام 2030م)، وطبعًا هذه نسبة عالية مقارنة بتزايد عدد السكان.
وكذلك الحال بالنسبة للهند، فعدد السيارات في الهند 9 ملايين سيارة عام 2010م (أي 7 سيارات لكل 1000 نسمة)، ومتوقع ارتفاعها إلى 55 مليون سيارة عام 2030م، أي 5 أضعاف أيضًا.
أما الزيادة الكبيرة الأخرى فهي في الولايات المتحدة فمتوقع ارتفاع عدد السيارات من 171 مليون سيارة إلى 253 مليون سيارة.
الزيادة فقط في هذه الدول الثلاث أكثر من 550 مليون سيارة، تقريبًا 72 في المئة من عدد السيارات في العالم عام 2010م وهي كفيلة بزيادة الطلب على الوقود سواء كان نفطًا أو بدائل.
ولكن بالنظر للرؤية المستقبلية للنفط حسب الدراسات الدولية المعتمدة، نجد أن الطلب على البنزين والديزل لن يرتفع كثيرًا خلال الـ25 سنة المقبلة، بل إنه سيرتفع فقط 25 في المئة مع أن عدد السيارات سيرتفع من 760 مليون سيارة إلى 1700 مليون سيارة (أي أكثر من الضعف); ويعود ذلك إلى 3 أسباب رئيسة: بدائل النفط، وتحسن أداء محركات السيارات، وثالثًا التركيز على السيارات الصغيرة ذات الكفاءة العالية أو بالأحرى السيارات التي لا تستهلك وقودًا بكميات كبيرة لصغر حجمها.
قبل التحدث عن بدائل النفط، يجب أن نتحدث عن أفضلية البيع لنفط الدول المستهلكة قبل نفط الدول المصدرة، فمثلاً، النفط الصخري الأمريكي حاليًا (والصيني مستقبلاً) يتم استهلاكه قبل أن تستورد تلك الدول من الخارج نظرًا لتعمد دول «أوبك» لتكملة الناقص (فقط) وهذا هو العامل الأساسي لرفع الأسعار بعد إبقاء العرض عند مستوى الطلب أو أقل قليلاً; فهدف إنتاج النفط الصخري خفض أسعار النفط العالمية، وهدف خفض الإمدادات من النفط التقليدي لدول «أوبك» هو رفع أسعار النفط العالمية.
وللتوضيح أكثر، فحاليًا الطلب العالمي تقريبًا 90 مليون برميل يوميًا، فقبل عرض «أوبك» أي نفط في الأسواق، تنظر للكميات التي ستوفرها الدول خارج «أوبك»، وهي حاليًا 60 مليون برميل يوميًا، ومن ثم تعرض «أوبك» فقط 30 مليونًا أو 29.5 مليون برميل يوميًا لكيلا تبقي أي فائض يؤثّر على الأسعار، فزيادة مليون برميل أو نقصان مليون برميل في الأسواق كفيلة بزيادة الأسعار أو انخفاضها بـ20 في المئة.
طبعًا التحدي الكبير للدول المصدرة للنفط هو النفط الصخري الذي صرح مختصون بأن تطوير تكنولوجيات وتقنيات (التكسير الهيدروليكي) و(الحفر الأفقي) هي من منع أسعار النفط الحالية من الوصل إلى 122 دولارًا و150 دولارًا للبرميل.
يعمل حاليًا في الولايات المتحدة أكثر من 16 مليون سيارة على وقود E85 وهي مزيج (85 في المئة من الإيثانول وهو من زيوت الذرة، وبقية الـ15 في المئة من البنزين)، وهذا كان أحد الخيارات لتقليل الاعتماد على النفط كوقود للسيارات ولكنه واجه مشكلة التحدي مع الغذاء والماء، ولذلك بقي كما ولم يتم التركيز على تطويره، أيضًا لسبب آخر وهو بوادر جدوى النفط والغاز الصخري.
وحاليًا، لا تزال 16 مليون سيارة في أمريكا تعمل على وقود E85 أو ما يسمى بالوقود الحيوي، طبعًا تطويره سيكون خيارًا مستقبليًا، وأيضًا هناك M85 وهو شبيهة ولكن يعمل بالميثانول من الغاز الطبيعي ومنه الغاز الصخري. أما التحدّيات الأخرى، فهي البدائل للنفط، فهناك السيارات التي تعمل على (الكهرباء) فمتوقع أن تعمل 100 مليون سيارة في العالم على الكهرباء عام 2040م، البديل الآخر وهو الأكثر تأثيرًا هو (الهايبرد) أو ثنائي الوقود (كهرباء كوقود أساسي، وبنزين كوقود احتياطي) الذي تتوقع الدراسات وجود أكثر من 500 مليون سيارة تعمل على الهايبرد عام 2040م.
وهنا يعلق البعض أن هذا سيضغط على الطلب على استهلاك الكهرباء ووقودها، ولكن مع الاكتشافات الكبيرة للغاز الصخري (الذي هو أكثر من النفط الصخري بأضعاف) والطاقة المتجددة وتطوير الطاقة الشمسية والذرية، لن يكون هناك عوائق لهذه الأنواع من الوقود التي ستشارك النفط كمصدر أساسي لوقود السيارات.
وهناك تحدٍ لا يقل أهمية عن سيارات الكهرباء والهايبرد وهو تحسين أداء محركات السيارات حيث تستهلك وقودًا أقل لتقطع مسافات أكثر، فمثلاً أداء محركات السيارات تحسن كثيرًا ووصل إلى 33 في المئة أفضل من أدائه قبل 20 عامًا لبعض السيارات، فهناك سيارات كانت تستهلك 15 لترًا بنزين لكل 100 كم وأصبحت الآن تحتاج فقط لـ 10 لترات لتقطع نفس المسافة.
ويعزى كثير من التحسن لتخفيف وزن السيارة، وغالبية السيارات المستقبلية ستكون من السيارات الصغيرة ذات الكفاءة العالية في استهلاك الوقود إضافة إلى استبدال الحديد بالألمونيوم وأيضًا تخفيف قوة المحرك، فسياراتنا مؤهلة للسير بسرعة أكثر من 200 كم بالساعة والمفترض إلا نستخدمها بسرعة أعلى من 120 كم بالساعة.
مع زيادة عدد السيارات هناك مجهودات وأنظمة لتقليل التأثر البيئي من عوادم تلك السيارات، وجميعها يصب في تحسين أداء المحركات.
أخيرًا، تركز خطط صناعات السيارات على تصنيع السيارات ذات الأحجام الصغيرة والمقاعد الأقل، فسيكون التركيز على حساب الزوائد مع أن الحاجة لها قليلة، فالكثير يستخدم سيارات صنعت لنقل 5 أشخاص (سيارات السيدان العادية)، وتستخدم لشخص واحد لأكثر من 80 في المئة من المشاوير، فثقافة الدول الأخرى (خصوصا) الصين والهند ستختلف كثيرًا وتبحث عن الأرخص، وكذلك الدول المتقدمة.
نقلا عن الجزيرة