اكتتاب «الأهلي».. نجح أم فشل؟

09/11/2014 5
د. عبدالله بن ربيعان

بين من يقول بنجاحه ومن يقول بفشله، انتهى هذا الأسبوع اكتتاب الأفراد في 15 في المئة من أسهم البنك الأهلي (300 مليون سهم)، بتجميع سيولة ذات أرقام فلكية ضخمة، وغير مسبوقة في السعودية. الاكتتاب الذي بدأ في 19 تشرين الأول (أكتوبر) وانتهى 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، شهد في أيامه الأربعة الأخيرة أحداثاً دراماتيكية لم تكن منتظرة ولا متوقعة، إذ تم ضخ سيولة ضخمة بلغت 304 بلايين ريال، ليقفل الاكتتاب بتجميع سيولة ضخمة بلغت 311 بليون ريال، (7 بلايين في أيامه الـ11 الأولى، و304 بلايين في أيامه الأربعة الأخيرة).

إلا أن الاكتتاب الذي شهد نقاشاً فقهياً قبل طرحه، وطالب عدد من الفقهاء بتأجيل طرحه حتى اكتمال تحول المصرف إلى إسلامي بالكامل، انتهى برقم صغير في عدد المكتتبين، إذ لم يتجاوز عدد المكتتبين الأفراد فيه 1.26 مليون شخص، وهو رقم تسجل السوق السعودية أضعافه دائماً في اكتتابات صغيرة، فما بالك والاكتتاب في أكبر وأحد أهم المصارف في البلد وعلى المستوى العربي قاطبة.

وبالتركيز على عدد المكتتبين، فمن يقول بعدم نجاح الاكتتاب له حجة جيدة، ولكن بالتركيز على حجم السيولة فالقائل بنجاح الاكتتاب وبدرجة كبيرة لا شك في صحة قوله.

بالعودة إلى مجريات الاكتتاب، فقد كانت الأيام الـ11 الأولى عادية، وكأي اكتتاب آخر كانت الأرقام تتزايد بنسبة مستقرة ومتوقعة، فاليوم الأول كانت نسبة التغطية 6 في المئة، زادت إلى 10 في المئة في اليوم الثاني، ثم 13 في المئة في اليوم الثالث، وهكذا حتى بلغت نسبة التغطية 50 في المئة في اليوم الـ11، وبسيولة بلغت حوالى 7 بلايين ريال وبعدد مكتتبين قارب 760 ألف شخص.

في اليوم الـ12 أي الخميس قبل الماضي، بدأ تقافز أرقام السيولة بنسب لم يتوقعها أحد، إذ قفزت نسبة التغطية من 50 إلى 210 في المئة، وتم ضخ سيولة تفوق 21 بليوناً في يوم واحد، ليصل حجم السيولة إلى 28.3 بليون ريال، ولم يزد عدد المكتتبين بأكثر من 100 ألف شخص عن اليوم السابق، مسجلا 857 ألف مكتتب.

وفي اليوم الـ13 ضخت سيولة مقدارها 10 بلايين ريال، لتكون السيولة المجمعة 37.9 بليون ريال، قبل أن تقفز بنسبة تقارب الضعف إلى 65 بليون ريال، وبنسبة تغطية بلغت 4.8 مرة حجم المبلغ المطلوب في اليوم الـ14.

اليوم الأخير في الاكتتاب كان غريباً فعلاً، فقد تضاعفت التغطية من 65 بليوناً إلى 311 بليون ريال، وقفزت نسبة التغطية من 4.8 إلى 23 ضعفاً، وزادت أعداد المكتتبين بحوالى 300 ألف مكتتب، وهو ما قفز بالعدد من 950 ألفاً في اليوم الـ14 إلى 1.26 مليون مكتتب بنهاية الاكتتاب، وهو رقم - في كل حالاته - صغير جداً مقارنة بالاكتتابات المعتادة في السوق السعودية.

عموماً، المراقب لمجريات الاكتتاب لا بد أن تبرز لديه الملاحظات التالية:

أولاً: الاكتتاب كان نخبوي بامتياز، ولم ينجح شعبياً، والأرقام الخجلة لتطورات أعداد المكتتبين منذ بدء الاكتتاب حتى نهايته - باستثناء اليوم الأخير - تؤكد ذلك. وإن كان ينظر عادة لتخصيص عدد كبير من الأسهم المطروحة للمكتتبين الأفراد كنوع من إعادة توزيع الثروة، إذ يكسب الصغار عائداً جيداً بالبيع بعد التداول، فإن هذا غير منتظر تحققه في اكتتاب الأهلي.

ثانياً: المصارف من خلال التمويل الضخم لكبار ملاك المحافظ هي من أوصل أرقام السيولة إلى رقم لم يسبق له مثيل في تاريخ سوق الأسهم السعودية.

والحقيقة أن هذا نذير خطر، فالمصارف بتمويلها بضمان المحافظ هي من أوصل السوق للفقاعة في أزمة 2006، ويجب أن لا يسمح لها بإعادة الكرة.

ثالثاً: أن التمويل الضخم من المصارف كان فيه نوع من اللاعقلانية واللامنطقية في ضخ الأموال الضخمة في الأيام الأربعة الأخيرة، وبوضوح أكبر في اليوم الـ15.

فحينما راوح عدد المكتتبين عند مليون شخص، فالتخصيص واضح، وهو 300 سهم تقريباً لكل اسم، ولو افترض أنه سيخصص لكل مكتتب الضعف أو الضعفين، وبافتراض أن عدد أفراد العائلة المكتتب به كبير، إلا أن تلك المبررات لم تكن تستدعي ضخ الملايين الضخمة، ومن يقوم بذلك يعلم أن ما سيخصص له عدد قليل يكفي أقل من عشر الأموال التي اكتتب بها للحصول عليه؟.

رابعاً: وهو مرتبط بالثالث، يبدو أن المصارف من خلال تمويل عملائها الكبار بالأموال الضخمة أرادت إيصال رسالة للسوق تقول إن الناس لم يثنها عدم اتفاق الفتوى عن التقدم للاكتتاب، وهذه ليست الحقيقة بالنظر لعدد المكتتبين وإقبالهم الضعيف.

خامساً: إن الأموال التي تم تجميعها في الاكتتاب (على رغم ما قيل أن غالبيتها تمويلات مصرفية) تثبت محدودية وقلة أوعية الاستثمار في المملكة، بما يجعل الأموال تضخ بوفرة في كل اكتتاب، لتعاد غالبيتها لأصحابها نتيجة قلة عدد الأسهم المخصصة بسبب إقبال المواطنين الأفراد على الاكتتابات.

سادساً: إن كانت ثقة الناس في البنوك جيدة، وستضخ مثل هذه الأموال الضخمة في اكتتاباتها، فلماذا لا يوسع ويزاد عدد المصارف؟ ولماذا لا يسمح بمصرف أو اثنين في كل منطقة في السعودية، على رغم حاجة الاقتصاد السعودي لذلك؟

ختاماً، وبغض النظر عن ما قيل ويقال عن اكتتاب الأهلي، فإن حاجة السوق للمصارف والشركات الكبيرة على غرار الأهلي ماسة وملحة، فمثل هذه الطروحات هي ما يعمق السوق، ويحفظ توازنها واستقرارها، وهذه هي مشكلة السوق الهيكلية الكبيرة التي لن يحلها إلا الطروحات الكبيرة.

نقلا عن الحياة